قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

سيولة مواقف الإسلاميين من أردوغان وحكمه

سيولة مواقف الإسلاميين من أردوغان وحكمه

مواقف الجماهير العربية والإسلامية من أردوغان اليوم موضع نقاش لا ينتهي، وهي مواقف متناقضة للغاية، وذلك بسبب تشتت الرؤى والمراجع، إضافة إلى حالة الفوضى السياسية والاجتماعية والدينية التي تعيشها شعوب هذه الدول، ولهذا يمكننا القول أن أردوغان يتمتع بشعبية كبيرة نسبيا، لكن في نفس الوقت لديه العديد من المنتقدين والخصوم والأعداء، وهكذا فإن صورته إجمالا بالنسبة للكثيرين في محيطه العربي والإسلامي متقلبة، بحيث تراوحت بين صورة البطل العربي والمسلم الأول شعبيا، خاصة عندما بدأ ما سمي بثورات الربيع العربي، ثم اكتشفت الجماهير أنه غير قادر على حمايتها ودعمها، لأنه أخطأ في تقديره ولم يعرف الحدود المسموح بها له، وبين صورة الرئيس المنافق، خاصة وأن العديد من الإسلاميين كان رأيهم أنه أخطر على الإسلام من أي رئيس علماني حكم تركيا قبله، وذلك لأنه يشوه ويلوث صورة الإسلام والإسلاميين بالدرجة الأولى، وذلك على الرغم من ظهور زوجته بالحجاب، وخلفيته الدينية المحافظة والمعروفة للجميع، وإصلاحاته في المجتمع التركي لصالح الدين والتدين، وهكذا هم الناس عموما والمعجبون منهم خاصة، حيث أنهم دائما ما يقومون برفع المشاهير إلى القمة، ثم يعودون ويسقطونهم إلى القاع.


لقد استغل أردوغان وحكومته موجة الثورات العربية، حيث قدموا خدمات كثيرة للثورة السورية وللشعب السوري، بدءا بالتسليح والدعم السياسي، وإيواء حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ، وفي مصر دعم أردوغان ثورة يناير، ثم قام بزيارة رسمية إلى القاهرة بعد سقوط مبارك وتحت حكم المجلس العسكري، وحظي باستقبال شعبي ورسمي كبير، كما ودعا هناك إلى وضع دستور مصر الجديد على أساس المبادئ العلمانية في تركيا، وأوضح أن العلمانية التي قصدها ليست ضد الدين، ثم عندما نجح الإخوان المسلمون بالحكم في مصر، كان من الشائع وقتها القول إن البلدين أصبحا حلفين وقطبين رئيسيين وكبيرين في المنطقة، حيث زار أردوغان القاهرة مرة أخرى، وألقى كلمة في دار الأوبرا، ودعاهم مرة أخرى إلى العلمانية حسب مفهوم حزبه، وأغلب الحضور حسب ما تردد وقتها غضبوا منه وندموا على استقباله، هذا وفتح أردوغان وحكومته أيضا قناة تواصل بعد وصول حركة النهضة إلى الحكم في تونس، وأقام أيضا علاقة جيدة معهم، فيما استنكر العلمانيون في كلا البلدين هذا التعاون، وكانوا يحذرون من وصول الإسلاميين إلى السلطة في كل دول المنطقة.


الإخوان المسلمين وهم أكبر حركة إسلامية في العالم، وبما أنها الأكبر فهي مقسمة إلى عشرات الفروع والمنظمات التي خرجت من صفوف التنظيم الأم، ولهذا السبب لا يمكن الجزم بأن لديها وجهة نظر ثابتة ورأي موحد تجاه تقييمها لأردوغان، حيث أن كل فرع منهم يمكن أن يكون لديه رأي واحد أو العديد من الآراء، إلا أن العديد من أعضاء الإخوان وأخواتهم في مصر تحديدا كانوا مندهشين من نجاح تجربة أردوغان في تركيا، واعتبروها خطوة كبيرة نحو التقدم لتطبيق الشريعة الإسلامية، لكن هذه التجربة أصبحت في رأيهم بعد ذلك ليست الطريقة الصحيحة لتطبيق الحكم الإسلامي، ولهذا السبب احتفلوا بزيارته بعد الإطاحة بمبارك وقبل أن يصلوا إلى السلطة، ولكن عندما اقترح العلمانية عليهم في نفس الزيارة وفي الزيارة التي تلتها، بدّل الكثير منهم رأيهم به وأعربوا عن أسفهم للقائه.


أما الحركات والأحزاب والتي يمكن اعتبارها غير مرتبطة رسميا بجماعة الإخوان، إلا أنها ما زالت تحسب معهم وتدور في فلكهم بطريقة أو بأخرى، وذلك مثل حركة النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب وغيرهم في دول كثيرة، والتي وصلت إلى السلطة في فترات مختلفة، وما زالت تتمتع بسلطة جزئية أو تدور في فلك المعارضة، فهؤلاء غالبا لا يكون لديهم رأي محدد وجازم تجاه أردوغان أو حزبه، هذا وقد يقول البعض إنهم قد يتخذونه نموذجا يحتذى به في التقدم، لكن عندما جربوا وعايشوا دهاليز  السياسة والحكم، بدأوا ينظرون إليه على أنه النموذج الأخير للسيطرة والسلطة السياسية الإسلامية، ولا يعني ذلك مرحلة للتقدم المرحلي بل النهائي، وذلك من مبدأ أن الديمقراطية متنوعة في الدول القومية، ولا يمكن الحديث عن الشعب الإسلامي أو الخلفاء أو التطبيق الكامل للشريعة وما إلى ذلك في الدول العربية والإسلامية اليوم.


هناك سيولة فكرية تجعل من الصعب اتخاذ موقف صارم وحكم نهائي تجاه أردوغان، ففي كل مجموعة إسلامية تقريبا توجد آراء وتفسيرات عديدة تجاه الأفكار والتحليلات لأردوغان وحزبه العدالة والتنمية، وهي بدورها أيضا مراجعات وتطوير لأفكار ودراسات متعلقة بهدف الأحزاب للوصول إلى السلطة والحكم، ولهذا السبب تحديدا يجب ألا ننسى هنا أنه عندما نتحدث عن هذه الأحزاب والجماعات، فإننا نتحدث عن منظمات سياسية تنافس وتحارب وتمارس المناورات السياسية للوصول للحكم والسيطرة على السلطة، وليس الحديث هنا عن المدارس الفكرية والنظرية البحتة، ولهذا السبب أيضا يتنافس حزب أربكان السياسي، والذي لا يزال قائما حتى يومنا هذا ولكن بدون تأثير على تركيا، ضد حزب أردوغان اليوم أكثر من الأحزاب العلمانية، وهذه وجهة نظر سياسية تنافسية ذات جوانب شخصية متشابكة، ولا يمكننا أن نقول إنها تمثل المثل العليا للإخوان المسلمين، وذلك لأن كلا من حزبي أردوغان وأربكان محسوبين على جماعة الإخوان.


أما الأحزاب التي لا تشارك الإخوان وأردوغان في المثل العليا، فمثلا هناك لجنة الخدمة الصوفية المتفرعة من جماعة فتح الله غولن في تركيا، والتي كانت أكبر المؤيدين لحزب أردوغان ودعمته للوصول إلى السلطة، والآن هم أعداء لأن هذه الجماعة متهمة بالتخطيط ودعم انقلاب 2016 على أردوغان وحزبه، حيث كان يعتقد هؤلاء أن أردوغان كان مجرد مرحلة تمهيدية للوصول إلى مشروع غولن الأكثر تمثيلا لتحالف الغرب مع الإسلاميين الجدد، فمشروع غولن بالنسبة للغرب كان هو النموذج المثالي تماما لمجموعة من السياسيين الدينيين الذين يستفيدون من الغرب ويحققوا مصالحهم ومصالحه، بينما هم ينشرون الدين المفرغ من كل معنى وهدف وغاية، ويعوقون شعوبهم بالروحانيات وحتى الخرافات والأساطير، ويجردونهم تماما من النضال والسعي الديني أو الوطني أو القومي أو العالمي، حيث أن نظرتهم الأساسية والرئيسية هي الحكم في ظل الخلفاء والخلافة الإسلامية فقط، وهم لا يقبلون الحلول المرحلية والتقدمية، وموقفهم من الديمقراطية خادع تماما، ولا عجب أنهم رفضوا تجربة أردوغان في الحكم، ويقولون إن أردوغان عدو أكثر منه صديق، وفي رأيهم أنه ما دام لا يؤيد الشريعة فهو مجرد مختبئ في الدين ويجب أن يخرج منه، وهنا يمكن أن نفهم كيف تم ويتم دعم الحركات الصوفية إجمالا من الحكومات العربية والغربية، وذلك لدعم الأنظمة القائمة وإقامة مشاريع مناهضة للثورات الشعبية الحقيقية في المنطقة.


هذا واعتبرت الجماعات السلفية الجهادية أردوغان عدوا كما هو معروف ومتوقع، والتكفيريون بالطبع كفروه كما كفروا أفراد وجماعات كبيرة غيره من الأمة، أما السلفيون خارج الحركات الجهادية فقد كانت الغالبية العظمى منهم ضد أردوغان، ومنهم من كفره، كما وحذرت منه واعتبرته فتنة، وذلك حتى لو لم يكن رئيسا يعلن أنه علماني، إلا أنهم كانوا ضده لأنه ينتمي إلى الصوفية الأشاعرة، لكن أيضا هناك العديد من السلفيين كأفراد كانوا راضين عنه، وحقيقة المواقف هنا قد لا تكون مكشوفة حتى علانية، كما وتعتمد أيضا على مواقف أردوغان وتصرفاته.


الكثير من المراجعات السلفية للحكم على أردوغان وحزبه تعود إلى فكر ابن تيمية نفسه، وذلك من باب القدرة والإمكانية، والقناعة بأنها تنطبق على أردوغان وحكومته، حيث يقول ابن تيمية في (حكم القوة والاحتمال): (إذا حاول الراعي إصلاح دينهم ودنيتهم قدر الإمكان، كان من أفضل أهل زمانه، وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله)، وهكذا أصبح من الشائع أن نجد بعض السلفيين يتراجعون عن اتهام أردوغان بعد أن انقلب الغرب ضده، بينما لا يزال الكثيرون يصرون على أنه عدو، لكن لا تزال أيضا هناك مجموعة كبيرة من السلفيين مرتبطين بالسلطة أو مقتنعين بخطابها دون ارتباط مباشر، والتي تعتبر أردوغان خصما وعدوا، وهذا التيار يسمى بالجامية المدخلية، والتي تقف مع سلطة القوة في كل شيء.


وهكذا نرى أن مواقف الإسلاميين العرب من أردوغان متقلبة وتتعارض لنفس الأسباب مع إضافة التعصب في العقيدة، فالحجج والمبررات واحدة، سواء كانت سلفية أو صوفية، وكل هذا ساعد على قطع الصف الإسلامي بقوة وتبادل الاتهامات، حيث يعتبر البعض أردوغان النموذج الحديث للحاكم الإسلامي، والبعض يعتبره نموذجا يحتذى به للتقدم والتمكين، ولكن ليس النموذج النهائي للحكم الإسلامي، بينما ينظر إليه البعض على أنه منافق غادر يكاد يكفر، وذلك مع أن الحركات الإسلامية والحكومات العربية والشعوب العربية تعلم جميعها أن الدين يعمل في مصلحة السياسة بشكل عام، كما وليس من مصلحة أي حكومة عربية أن يكون لها حاكم إسلامي في أي دولة.


أما عموم الناس في عالمنا العربي فقد يكونوا سعداء بأردوغان وحزبه، مع أن تركيا ما زالت مليئة بمظاهر العلمانية، وذلك من باب أنه رجل في بلد علماني يقود إلى الشريعة، والمعيار هنا ليس مستوى تدين الرجل، بل التدين بالنسبة للسياق، ولا بد من ملاحظة البوصلة إلى أين متوجهة في الإطار العام، كما أن أردوغان هو النموذج الذي يوصف بالمعتدل، الذي كان يريد الغرب تعميمه لتحقيق مصالحه وتمييع الدين، والثورات العربية في الأصل لم تندلع إلا لتحقيق هذا الهدف، هذا واكتشف الكثير من الإسلاميين اليوم أن تركيا، والتي نظامها هو العلمانية السياسية، هي الآن الملاذ الآمن والوحيد لهم من بطش أنظمة دولهم.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart