قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الإخوان المسلمون.. تاريخ طويل وتباينات في المواقف وتحديات مستمرة

الإخوان المسلمون.. تاريخ طويل وتباينات في المواقف وتحديات مستمرة

الإخوان المسلمون جماعة إسلامية تأسست عام 1928 على يد الشيخ حسن البنا في مصر، حيث نشأت بهدف استعادة الخلافة الإسلامية التي انهارت بعد سقوط الدولة العثمانية، وتوحيد المسلمين تحت راية الإسلام، ومنذ ذلك الحين كانت الجماعة تثير الجدل بتوجهاتها وأفكارها، كما مرّت الجماعة بمراحل متعددة من الصعود والهبوط، وشهدت تغييرات كبيرة في مواقفها، استراتيجياتها، تحالفاتها، وعلاقتها مع القوى الإقليمية والدولية.


كانت رؤية حسن البنا تتمحور حول النهوض بالمجتمع الإسلامي من خلال العمل الدعوي والتربوي، وصولا إلى إقامة دولة إسلامية تعتمد على الشريعة، وهكذا انطلقت الجماعة في مصر وسرعان ما امتد تأثيرها إلى بلدان عربية وإسلامية أخرى، لتتحول إلى حركة عابرة للحدود، والإخوان المسلمون كتنظيم عالمي يتسمون بالهيكلية الهرمية؛ إذ يوجد على رأس التنظيم "المرشد العام"، وهو تقليديا مصري الجنسية، ثم يأتي "المراقب العام" في كل دولة حيث تنتشر الجماعة، ورغم هذه الهيكلية فإن مواقف الجماعات المحلية للإخوان تختلف تبعا للبيئة السياسية والاجتماعية في كل بلد.


وهنا سوف نستعرض بعض مواقف جماعة الإخوان المسلمين، مع تحليل السياق التاريخي والسياسي لتباينات هذه المواقف في الدول المختلفة، فمثلا حين اندلعت الثورة الإيرانية بقيادة آية الله الخميني ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979، رآها الإخوان المسلمون في البداية حركة إسلامية تهدف للإطاحة بنظام علماني موال للغرب وإسرائيل، وقد عبروا عن دعمهم للثورة بوضوح من خلال مجلة "الدعوة"، التي كانت تصدر في مصر، حيث نشرت صورة الخميني على غلافها كرمز للثورة الإسلامية، هذا ولم يقتصر دعم الجماعة على الكلمات فقط، بل أرسلت قيادة الإخوان وفدا كبيرا إلى طهران في يونيو 1979 لتهنئة الخميني بنجاح الثورة، وقد كان دعم الجماعة للثورة الإيرانية في بداياتها جزءا من سياق عام آنذاك (عربي وإسلامي)، حيث رأوا فيها أملا لحراك إسلامي كبير وشامل، كما جاء هذا الدعم من منطلق اعتقادهم بأن الثورة الإيرانية خطوة نحو توحيد الأمة الإسلامية وإقامة حكم إسلامي عام.


لكن مع مرور الوقت، بدأ حماس الإخوان للثورة الإيرانية يخفت تدريجيا، خصوصا بعد أن برزت طبيعتها الطائفية في بعض المواقف، ففي مذكراته وصف القيادي السابق في الإخوان المسلمين بمصر، عبد المنعم أبو الفتوح، موقف الجماعة بأنه كان "متسرعا ومتحمسا"، مضيفا أن الطائفية التي ظهرت في بعض جوانب الثورة الإيرانية وظهور العداء الواضح لأهل السنة، والحرب العراقية-الإيرانية لاحقا، زادت من فتور مشاعر التضامن معها، لكن هذا التراجع لم يكن شاملا، إذ استمرت مواقف بعض فروع الجماعة أكثر انفتاحا على إيران، بينما اتخذت فروع أخرى مواقف أكثر تشددا، خاصة في الدول التي عانت من التغلغل الإيراني أو تعرضت لضغوط سياسية مباشرة من النظام الإيراني وحلفائه.


أما في سوريا فقد كانت مواقف الإخوان مختلفة تماما؛ إذ واجهوا نظام حافظ الأسد المدعوم من إيران، وصارت العلاقة مع النظام الإيراني عدائية بشكل واضح منذ الثمانينيات، حيث تعرض الإخوان المسلمون في سوريا إلى حملة قمع شديدة من قبل نظام حافظ الأسد في هذا الوقت، بلغت ذروتها بمجزرة حماة عام 1982، حيث أصدر الأسد قانونا يقضي بإعدام كل من يثبت انتماؤه للجماعة، وقد دفع هذا القمع الإخوان إلى المنفى، حيث لجأوا إلى دول مثل العراق والسعودية والأردن.


هذا وحين اندلعت الثورة السورية عام 2011، انحاز الإخوان المسلمون في سوريا بالكامل إلى صفوف الثورة ضد نظام بشار الأسد، الذي كان أكثر تبعية لإيران من والده، ورفضت الجماعة بشكل قاطع أي محاولات للمصالحة مع النظام أو التفاوض مع الوسطاء الإيرانيين، وذلك على الرغم من العروض المغرية التي قدمت لهم، مثل التصالح مع نظام الأسد وتسلم الحكومة بالكامل، كما أنه أثناء الحرب السورية، استمر الإخوان في إصدار بيانات تنتقد الدور الإيراني في دعم النظام السوري، محذرين من التشييع الذي كان يمارس بدعم إيراني في المناطق الفقيرة، وفي المقابل بقيت قيادة الإخوان العامة على موقفها الدبلوماسي، الذي يسعى للحفاظ على التوازن في التصريحات السياسية، مما أثار كثير الانتقادات عليها.


وقد ظهرت هذه التباينات أيضا بين الفروع المختلفة للجماعة مؤخرا، فبعد مقتل حسن نصر الله، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بيانا أعربت فيه عن فرحها بمقتله، واصفة المشروع الإيراني بأنه "طائفي وعدواني"، في المقابل أصدرت القيادة العامة للجماعة بيانا مختلفا تماما، أدانت فيه الاغتيال ووصفت نصر الله بأنه "أحد قادة المقاومة"، وهذا التباين يعكس الاختلاف في طبيعة الصراع الذي تواجهه الجماعة في كل بلد، ففي سوريا حيث الصراع مع إيران مباشر، يبدو موقف الجماعة أكثر حدة وعداء، أما القيادة العامة فتتخذ موقفا دبلوماسيا عاما لتجنب التصعيد مع إيران وحلفائها، في حين أن دول الخليج أيضا تأثرت مواقف الجماعة فيها بحدة التنافس بين إيران والدول الخليجية، مما جعلها تتخذ مواقف أكثر حذرا.


هذا ويذكر أنه مع انطلاق الربيع العربي، برز الإخوان كقوة سياسية مهمة، خصوصا في مصر، حيث فاز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية عام 2012، لكن هذا الانتصار لم يدم طويلا، إذ واجهت الجماعة هجوما شرسا من الأنظمة الحاكمة والمعارضة على حد سواء، حيث تم إسقاط مرسي في انقلاب عسكري عام 2013، وتم حظر الجماعة وتصنيفها كمنظمة إرهابية في عدة دول عربية، والهجوم على الجماعة لم يكن فقط سياسيا، بل إعلاميا أيضا، حيث استخدمت بروباغندا واسعة لتشويه صورتها وربطها بالإرهاب والتطرف، كما أن الكثيرين من قادة وأنصار الجماعة أقرو بأن الجماعة ارتكبت أخطاء سياسية، من بينها ضعفها في بناء تحالفات قوية وعدم فهمها العميق لتعقيدات المشهد السياسي.


اليوم لم يعد للإخوان وجود فعلي في الشارع أو العالم الافتراضي كما كان في السابق، كما وأصبحت الجماعة هدفا سهلا للاتهامات التي تستخدم كذريعة لتبرير القمع السياسي، ومع ذلك فإن العديد من هذه الاتهامات يفتقر إلى الأدلة القاطعة، ويستخدم بشكل أساسي لتصفية حسابات سياسية، وعلى الجانب الآخر يواجه الإخوان أنفسهم تساؤلات داخلية حول جدوى استمرارهم كتنظيم بهذا الشكل التقليدي، وهناك من يرى أن الجماعة بحاجة إلى إعادة التفكير في أسلوبها وتنظيمها، وربما تأسيس كيانات جديدة تتماشى مع المتغيرات الحالية.


وأخيرا نقول بأن الإخوان المسلمون ليسوا كتلة واحدة متجانسة، وهناك تباين كبير بين مواقف فروع الجماعة المختلفة، وهذا يثبت بأنهم ليسوا كيانا موحدا في المواقف والسياسات، بل هم تنظيم يضم جماعات ذات توجهات متباينة، تتأثر بظروفها المحلية والبيئة السياسية التي تعمل فيها، وهو ما يجعل من الضروري فهم الإخوان كتنظيم محلي وعالمي بتعقيداته المتنوعة والمختلفة، وذلك بدلا من وضعهم في "سلة واحدة"، فالخلافات في المواقف ليست ناتجة فقط عن تغير الظروف السياسية، بل أيضا عن تعددية البيئات التي يعملون فيها، هذا ورغم أن الإخوان جماعة لها تاريخ طويل ومواقف متباينة، ورغم التحديات العديدة التي واجهتها، لا تزال محط اهتمام كبير، سواء من أنصارها أو خصومها، إضافة إلى أن الاتهامات الموجهة إليها، سواء بارتباطها بإيران أو بالثورات، ليست دائما دقيقة أو موضوعية، ومع ذلك فإن الجماعة بحاجة إلى مراجعة داخلية جادة لتحديد دورها ومستقبلها في ظل الظروف الإقليمية والدولية المتغيرة.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart