قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

الحق بالشماتة من الخصوم في الحروب بين النقاش الأخلاقي والسياق الاستراتيجيمآلات تعدد محاولات تطبيق الشريعة في الدول واستعادة الخلافة الإسلاميةمعادلة المحاور: السيطرة الأمريكية بين الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الإيرانيالصورة المعقدة لحزب الله في سياق المشروع الإيراني الإقليمي والصراع مع إسرائيلتطور ديناميات نظام الحزبين في أمريكا تاريخياحزب الله من المقاومة إلى الإختراق مرورا بالطائفيةالاستراتيجية الإيرانية والمقاومة الفلسطينية: من الاحتفاظ بحق الرد إلى الفعل المبادرالعبودية الجديدة لمصطلحات الصوابية السياسيةالمصالح التي تحققت للمسلمين من حصارهم في مكة ومكاسب التحالفات أصل الصداقة ومقوماتها ومتطلباتها وطبائعهامفهوم العبودية وتغيراتها التاريخية وارتباطها بالملكيةالتحكم والسيطرة على اختيارات الإنسان المعاصرحرب غزة امتداد طبيعي لعقلية الإجرام الغربي تاريخيامصالح فقه الموازنات في الحروب مع الأعداءمصير الخاذل سيكون أسوأ من مصير المخذولالأرض المعجزة من البداية إلى النهاية الاختلافات بين مفاهيم فروض الأعيان وفروض الكفاياتكيفية تهيئة الضيوف للمقابلات التلفزيونية وإدارة المذيعين لهاحرب غزة التي أسقطت كل الأقنعة والأوهام عن العالمكيف تقود إسرائيل أمريكا خلافا لمصالحها ودور العرب والمسلمين في ذلك
جاري التحميل ...

معضلة النزاع حول الهويات الوطنية لمواجهة أعداء الأمة

معضلة النزاع حول الهويات الوطنية لمواجهة أعداء الأمة

- ترتيب أفكار الناس وفهم مشاعرهم المختلطة -

قبل قرن من الزمان تقريبا، لم تكن هناك حدود واضحة أو انتماءات وطنية كما نعرفها اليوم، وكان الانتماء للأمة العربية والإسلامية هو السائد، مع بعض التمايزات الإقليمية أو القبلية، لكن الاستعمار الأوروبي الغربي وبعد سقوط الدولة العثمانية رسم هذه الحدود وخلق الهويات الوطنية التي أصبحت مصدرا للتعصب والانقسام، حيث كان سكان أي مدينة عربية أو إسلامية قديما يستقبلون السكان والمواطنين (اللاجئين والنازحين) من المدن والدول المجاورة لها بعد الحروب الصليبية دون أي تمييز أو شعور بالاختلاف أو حتى العدائية، وذلك مقارنة بالوضع الحالي حيث أصبحت الهوية الوطنية العنصرية غالبا ما تطغى على الهوية العربية والإسلامية الجامعة.


الاستعمار بعد أن زرع الحكام المستبدين والعملاء له في البلاد المستحدثة والجديدة، خلق حالة من التعصب للوطن على حساب الأمة العربية والإسلامية، والحدود المصطنعة بين الدول العربية والإسلامية عمقت الشعور بالانفصال بين أبناء هذه الأمة، وحرضت كل شعب على الدفاع عن مصالح دولته الوطنية فقط، مما أدى إلى تفتيت التضامن العربي والإسلامي، وذلك بعد أن كان الناس يتنقلوا بين دمشق وبيروت والقدس ويافا والقاهرة وطرابلس وتونس والجزائر والرباط دون أن يشعروا بأي اختلاف، حيث كان الناس يتشاركون الثقافة والدين واللغة، رغم اختلاف السلطات التي تدير هذه المدن والحاكمة فيها.


وهكذا لا يمكن فهم الواقع الحالي لأمتنا العربية والإسلامية دون النظر إلى جذوره التاريخية والسياسية، كما أن انقسام الأمة العربية والإسلامية لم يكن طبيعيا، بل كان نتيجة سياسات استعمارية هدفت إلى تفتيت العرب والمسلمين وإضعافهم وتقسيمهم، والصراعات الحالية، سواء كانت مع إيران أو إسرائيل أو غيرها، تعكس حالة التشرذم الداخلي التي عمقها الاستعمار والطائفية من بعده، ولهذا فإن العودة إلى الهوية العربية والإسلامية الجامعة واحترام التنوع الاجتماعي والثقافي والديني داخل الأمة هو الحل الوحيد لاستعادة هذه الوحدة والقوة، كما وعلينا أن ننظر للصراعات بيننا ومع الآخرين بعين متزنة، تدرك الفروقات بين جذور العداء ودرجات الخطورة المباشرة، وذلك لنتمكن من مواجهة الأعداء الحقيقيين بوعي وبصيرة.


نحن أمة واحدة تجمعنا العقيدة والهدف، وأي انقسام بيننا هو خدمة مجانية لأعدائنا، ولهذا يجب أن نضع خلافاتنا جانبا ونعمل معا لنهضة حقيقية تشمل الجميع، وذلك لأن معركتنا الكبرى ليست فقط على الأرض، بل على القلوب والعقول أيضا، والتاريخ يعلمنا أن الفتن لا تأتي من فراغ، بل تحتاج إلى من يغذيها ويستثمر فيها، ونحن بحاجة إلى وعي حقيقي يدرك أن انقساماتنا تخدم أعداءنا فقط، كما أننا بحاجة إلى طرح خطاب جديد يجمع ولا يفرّق، وأن يقدّر أهمية كل قضية دون أن يجعلها ذريعة لتجاهل قضايا وحقوق الآخرين.


ولهذا نحتاج لفهم أعمق للوحدة والتعاون بيننا، وأن نعلم أيضا من هو العدو المشترك والخصوم المختلفين والمتعددين، كما وأن نعيّ جيدا بأن الانقسامات الحالية بين الشعوب العربية والمسلمة تخدم العدو المشترك الذي يسعى لتفتيت وحدتنا، وتخدم الخصوم الذين يريدون تحقيق مصالحهم على حسابنا (أوطانا وشعوبا)، ولهذا علينا أن نعود إلى المبادئ والقيم التي توحدنا وتجمعنا، ونستلهم من التاريخ كيف تجاوز المسلمون أزمات الفتن والانقسامات والخلافات بينهم، فالقضية ليست فقط قضية فلسطين أو سوريا أو العراق أو غيرها، بل هي قضية أمة تعاني من محاولات مستمرة للتفكيك والتشرذم، وكلما أدركنا ذلك بوضوح ويقين، اقتربنا أكثر من فهم الطريق نحو الوحدة والنهوض مجددا كدول وأمة عربية وإسلامية مجتمعة ومتحدة.


أمتنا اليوم تنتحب وتتألم، ومن دون تحرك أبنائها، قد تواجه مصيرا قاتما، ويبدو أن أعدائنا يسعون لزرع الفتن بيننا، وإذا لم نتحرك سريعا فسوف نجد أنفسنا في حالة من الوهن والعجز الدائمين، ويبقى أملنا فقط في انتظار الظالمين ليقضي بعضهم على بعض بدلا من النهوض للدفاع عن المظلومين، وهذا أكبر دليل على الضعف والذل الذي نعيشه اليوم، كما أن هذا التفكك المستمر في مجتمعنا العربي والإسلامي يمثل أحد أكبر نقاط ضعفنا، والحالة التي تعيشها شعوب هذه المنطقة اليوم تحتاج إلى شجاعة وتضامن، إذ تواجه هذه الأمة تحديات مصيرية ووجودية، بحيث يجب على العرب والمسلمين أن يرتقوا إلى مستوى هذه التحديات وأن يتخذوا خطوات فاعلة لتحقيق الوحدة بينهم، ولهذا يتعين علينا جميعا تجنب اللجوء إلى اتهامات الخيانة أو اختبارات الولاء بناء على وجهات نظر ضيقة وسطحية، وذلك لأن استخدام هذه اللغة يشجع ويقوي من الانقسامات بيننا، وذلك في وقت يتطلب فيه الأمر الصمود والتعاون والتكاتف، كما أن تعمق هذه اللغة الجارحة في هذه المواقف الصعبة يقلل من فرص النقد الإيجابي والحوار البناء للوصول إلى أفضل الحلول الممكنة.


هذا ويجب مساعدة الناس اليوم على ترتيب أفكارهم وفصل مشاعرهم عن الأحداث الجارية، حيث سيساعد ذلك في تجنب الانحياز لأي من أعداء أو خصوم المسلمين والعرب، كما ويجب على هذه الأمة أن تتجنب الوقوع في فخ التفرق والتشتت بسبب هذه المشاعر المتناقضة، فالأحداث الحالية أكبر من أن تتوقف عند مستوى المشاعر الشخصية والشعورية، وفي الوقت ذاته لا يجب أن تتحول هذه المشاعر الفطرية من الفرح أو الحزن إلى ولاء وبراء مفرطين، فالولاء يجب أن يكون في النهاية لله تعالى ورسوله الكريم وللمؤمنين، كما ويجب أيضا أن نسعى جميعا للتعاون مع بعضنا البعض لتحقيق الوحدة وتعزيز الفهم المتبادل بيننا كعرب ومسلمين، وذلك كوسيلة لمواجهة التحديات والمصاعب التي تواجه هذه الأمة، ومن خلال هذه الوحدة وتبني فهم شامل للوضع الحالي، يمكن للأمة العربية والإسلامية التغلب على محنها وضمان مستقبل أفضل لجميع أبنائها، والعمل على توجيه الجهود إلى مقاومة العدو الحقيقي للأمة العربية والإسلامية، وهو الاحتلال الصهيوني ومن يدعمه ويسانده من الغرب الأوروبي وأمريكا، وذلك دون إغفال الجرائم التي ارتكبتها بعض الجماعات الأخرى بحق العرب والمسلمين في مناطق متفرقة.


وأخيرا نقول أنه في ظل هذه الأوضاع الراهنة الصعبة والمؤلمة، من الضروري أن نتفهم المشاعر المختلطة التي تنتاب العرب والمسلمين في مختلف أنحاء العالم تجاه ما يحدث في فلسطين ولبنان وسوريا وأفغانستان وإيران وغيرها، وأن هذه المشاعر، وإن كانت فطرية وطبيعية، لا يجب أن تكون سببا في المزيد من الفرقة والاختلاف بين أبناء هذه الأمة، كما أن على العرب والمسلمين أن يدركوا أن الحل لا يكمن في تبني مواقف عاطفية متطرفة، بل في السعي لتوحيد الصفوف والنظر إلى الأمور من منظور شامل يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الأمة ككل، حيث إن الأمة العربية والإسلامية اليوم في حاجة ماسة إلى التضامن والوحدة أكثر من أي وقت مضى، والعمل معا على رفع حالة الوهن والعجز والضعف الذي نحن فيه، وذلك حتى لا يأتي الدور على المزيد من أبنائها مستقبلا.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart

2025