قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

فهم أسباب التفاعل المختلف بين القضية الفلسطينية والثورة السورية

فهم أسباب التفاعل المختلف بين القضية الفلسطينية والثورة السورية

لقد برزت الثورة السورية على مرّ السنوات الماضية، كواحدة من أكثر القضايا تعقيدا وتشابكا، ما جعل من فهمها ودعمها أمرا ملتبسا لدى الكثيرين، حتى بين الشعوب العربية والإسلامية، وعلى النقيض من ذلك تعتبر القضية الفلسطينية أكثر وضوحا، حيث تجمع الشعوب العربية والإسلامية، بل والعالم الحرّ بأسره على عدالة قضيتها، هذا وتختلف وتتنوع الأسباب التي جعلت التفاعل مع القضيتين مختلفا، حيث أن العوامل التاريخية والاجتماعية والسياسية أثرت على مسار التعامل مع كل منهما.


القضية الفلسطينية قضية تتمحور حول مقاومة احتلال استيطاني استعماري من خارج المنطقة، فالإسرائيليون (اليهود الصهاينة) الذين يحتلون فلسطين اليوم جاءوا من الشتات ليقيموا دولة على حساب السكان الأصليين (الفلسطينيين)، وهذا النوع من الاحتلال يجعل القضية الفلسطينية واضحة المعالم، حيث يجمع الفلسطينيون على مقاومة عدو خارجي ومحتل، أما في سوريا فالعدو كان ليس احتلالا خارجيا، بل هو نظام حكم مستبد ينتمي إلى نفس المجتمع السوري، فالنظام السوري السابق بقيادة بشار الأسد ورغم كل انتهاكاته، كان يعتبر جزءا من نسيج الشعب السوري نفسه، فهو نظام نشأ في سوريا، ورئيسه يتحدث العربية ويمارس مظاهر إسلامية شكليا، وهذه العوامل كانت تخلق لبسا لدى كثيرين، وتجعل من الصعب تصنيف النظام الحاكم كعدو خارجي كما هو الحال مع الاحتلال الإسرائيلي.


كان الشعب السوري نفسه عندما اندلعت الثورة السورية 2011، قد عاش لسنوات طويلة تحت حكم نظام الأسد (الأب والابن)، ورفع علمه وأبدى الولاء الظاهري له، وإن كان ذلك تحت ضغط الاستبداد والخوف، وهذه الخلفية جعلت الثورة السورية في نظر البعض وكأنها صراع داخلي بين طرفين من نفس الشعب، بدلا من أن تكون مواجهة واضحة بين شعب مظلوم وعدو خارجي، كما أن التفرّق الذي حصل داخل صفوف الثوار في البداية أدى إلى إضعاف موقفهم، إضافة إلى أن تعدد الفصائل واختلاف الأيديولوجيات بينها، وظهور مجموعات متطرفة كداعش، ساهم في خلق صورة سلبية ومشوشة عن الثورة لدى الشعوب العربية والإسلامية، أما على الجانب الآخر وحتى مع وجود أخطاء في المقاومة الفلسطينية، فإن وحدة الهدف – أي مقاومة الاحتلال – تغفر جميعها أمام حجم المعاناة الناتجة عن الاحتلال.


هذا وقد كان لدخول جماعات وفصائل مختلفة ومتنوعة لدعم كلا الطرفين دور بارز في زيادة هذه الضبابية حول الموقف من الثورة السورية وإسقاط النظام، فمثلا حزب الله، والذي كان يوما ما رمزا للمقاومة ضد إسرائيل، تحول في أعين كثيرين إلى طرف في الحرب السورية، يدعم النظام ويقاتل الثوار، ومع توسع دوره في الصراع، بدأ الحزب يجند أفرادا لا يحملون خلفيات دينية أو عقائدية كما كان الحال سابقا، حيث كانت تشير التقارير إلى أن الحزب بدأ يعتمد على شباب شيعة من مختلف الطبقات في لبنان، بما في ذلك أفراد كانوا جزءا من شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات ومجموعات خارجة عن القانون، وهذا التغير انعكس في سلوكيات عناصر الحزب على الأرض، حيث وثقت فيديوهات وشهادات كثيرة أفعالا خسيسة، مثل الشماتة بالمحاصرين والاعتداءات الوحشية عليهم، إضافة إلى التدمير للمباني وقتل السكان وتهجيرهم، وهذه الممارسات أضعفت صورة الحزب، لكنها في الوقت نفسه لا تعني بالضرورة أن الحزب كان يربي أفراده على هذه الأخلاق والتصرفات، وإنما تعكس طبيعة العناصر الجديدة التي انضمت إليه نتيجة التحولات في أهدافه.


ما حدث مع حزب الله في تغيير أسلوب التجنيد هو ذاته ما شهدته فصائل مثل داعش، ففي البداية كانت داعش تعتمد على مقاتلين يحملون عقيدة جهادية منظمة، ولكن مع توسعها بدأت تجند أفرادا بدوافع مادية وطائفية، ما أدى إلى ظهور مجرمين يمارسون أبشع الجرائم تحت راية الإسلام، وهذا لا يعني أن التنظيمات مثل داعش أو حزب الله في جوهرها ليست إجرامية، ولكن المقارنة تساعد في فهم أن أي جماعة قد تنحرف مع الوقت نتيجة الظروف.


كما ويمكن أن نشير هنا أيضا أنه رغم أن إسرائيل لم تشارك مباشرة في قصف الشعب السوري، بل كانت تقصف مواقع عسكرية للنظام وحلفائه، إلا أن دورها غير المباشر كان كبيرا، حيث أن نتنياهو صرّح بوضوح أن بقاء بشار الأسد كان يخدم مصالح إسرائيل، مما منح روسيا الضوء الأخضر لدعم النظام السوري عسكريا، حيث أن روسيا نفسها اعترفت بأن النظام كان على وشك السقوط لولا تدخلها، وإسرائيل لم تظهر فقط تواطؤا، بل استغلت كل هذه الصراعات لإضعاف سوريا ودعم بقائها في حالة من الانقسام والتشتت والكمون، ومنه فإن المجازر التي نفذتها الميليشيات الطائفية من كل الأطراف ضد الشعب السوري، كانت بتنسيق غير مباشر مع سياسات إسرائيلية وأمريكية غربية تقاطعت مع سياسات إيرانية وروسية تخدم جميعها انقسام سوريا وتفتيت المنطقة بأكملها.


وهكذا كان من الطبيعي أن يشعر النشطاء السوريون بالإحباط والغضب من عدم وقوف العالم معهم بالشكل الذي كانوا يتوقعونه، حيث أن الثورة السورية كانت دائما قضية معقدة في نظر العالم بسبب طبيعة العدو وطبيعة الأخطاء التي وقعت داخلها، وفي المقابل القضية الفلسطينية وبالرغم من الأخطاء، تظل أكثر وضوحا لأن العدو فيها خارجي ومحتل، ولذلك فإن إلقاء اللوم على الشعوب أو العالم لعدم فهمهم الكامل للثورة السورية أو أي قضية أخرى مشابهة قد لا يكون منصفا.


أخيرا نقول أن أي قضية (القضية الفلسطينية) أو ثورة (الثورة السورية)، رغم عدالتها، تبقى دائما بحاجة إلى خطب أكثر وضوحا وتركيزا على الوحدة بين مكوناتها، وعلى النشطاء أيضا أن يدركوا أن تفهم العالم لقضاياهم لن يكون سهلا بسبب طبيعتها المعقدة والمتشابكة، كما أن التوحد حول الهدف الرئيسي سواء في القضية الفلسطينية أو الثورة السورية، سوف يجعلها أكثر قدرة على استقطاب الدعم العربي والإسلامي والعالمي، وفي النهاية سواء كنا نتحدث عن سوريا أو فلسطين أو غيرها، تبقى المعاناة واحدة بتنوع جوانبها، كما ويبقى للأمل في المستقبل أهمية كبرى لتحقيق العدالة والحرية للجميع.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart