العنصرية الغربية وانهيار المنظومة الدعائية الإسرائيلية وخسارتها
تواجه الجاليات العربية والإسلامية
منذ أحداث السابع من أكتوبر في الغرب عموما وأمريكا خصوصا موجة عنفية مروعة، والتي
تنفذ بصمت ودون أن تحظى بنفس الحماية الإعلامية التي تُمنح لقضايا معاداة السامية
(المزعومة)، حيث أصبح المؤيدون للقضية الفلسطينية اليوم الضحايا البارزين
لـ"ثقافة الإلغاء" الغربية، حيث تُنفق الملايين لإسكات الأصوات المناصرة
لفلسطين، كما ويشهد التاريخ لأول مرّة أن أقسى العقوبات أصبحت تُفرض على من
يتجرأون على دعم الحق الفلسطيني، وذلك كما حدث مثلا مع عضو الكونجرس جمال بومان
الذي أنفقت منظمة "إيباك" 23 مليون دولار لإسقاطه في دائرة نيويورك
الانتخابية، وهو مبلغ يفوق ما تنفقه بعض الدول على انتخاباتها بأكملها! وهذه
الحملات الممنهجة تكشف التناقض الصارخ في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير عندما يتعلق
الأمر بالقضية الفلسطينية.
وهكذا تنكشف ازدواجية المعايير
الغربية وتتحطم حرية الرأي والتعبير عند حدود القضية الفلسطينية (غزة)، فبينما
يُسمح بتداول كل الآراء حول جميع القضايا، يُحارب أي صوت يجرؤ على انتقاد الاحتلال
الإسرائيلي لفلسطين وأراضي بعض الدول العربية المجاورة (لبنان وسوريا)، كما ولقد
كشفت التغطية الإعلامية بعد 7 أكتوبر أن "الحريات الأوروبية والأمريكية"
المزعومة تتبخر عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، حيث تفرض اللوبيات المؤيدة للاحتلال
رقابةً ذاتية تخنق أي رأي مخالف، كما أن هيمنة الرواية الصهيونية على الإعلام
الغربي تاريخيا لا تترك مجالا للحوار العادل، بل تحوّل الفلسطينيين من ضحايا إلى
متهمين بمجرد المطالبة بحقوقهم المشروعة.
هذا ولا تمثل التصريحات الأخيرة
لترامب حول "تطهير" غزة من سكانها مجرد رأي مثير للجدل، بل هي بمثابة
وصفة صريحة للتطهير العرقي، فلو أن رئيسا آخر - مثل بوتين - اقترح ترحيل سكان
دونباس الأوكرانية إلى ألمانيا بحجة "حمايتهم"، لشهدنا احتجاجات عالمية
غاضبة، لكن المعايير تتعطل عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني، حيث يتعامل
الإعلام الأمريكي والغربي والعالمي مع هذه التصريحات الخطيرة وكأنها مجرد موقف
سياسي "مثير"، وذلك رغم أنها تجسيد صارخ للعنصرية الاستعمارية التي
تعامل العرب والمسلمين كمجرد كيانات مؤقتة وقابلة للترحيل والتهجير.
كما وتكشف المقارنة اليوم بين نظرة
الغرب للأوكرانيين والفلسطينيين عن هذه العنصريةَ البنيوية، والتي تتجلى عندما
يُنظر للأوكرانيين كأفراد ذوي هوية أوروبية مميزة، ويجب عليهم أن يبقوا على أرضهم
وفي وطنهم (أوكرانيا)، والكل يعمل على تثبيتهم ودعمهم على الصمود، فيما يُختزل
الفلسطينيون عامة وأهل وسكان غزة خاصة إلى "مجموعة عربية" يمكن
"إعادة توطينها" في أي بلد عربي أو إسلامي! أو حتى إلى أي بلد يقبل
باستقبالهم في هذا العالم!، وهذه النظرة الاستعلائية تعيد إلى الأذهان أسوأَ أيام
الاستعمار الغربي، حين كان يُنظر إلى السكان الأصليين كعقبة أمام المشاريع
الاستيطانية.
لكن نجحت أحداث السابع من أكتوبر،
وذلك عبر الأدلة الواضحة والتحليل المنطقي في تفنيد الرواية الإعلامية الغربية
الجاهزة، والتي تكرر نفس الحجج المُعلّبة دون تمحيص، حيث تم كشف زيف هذه السرديات
عبر الحقائق الثابتة والاستدلال المحكم، وذلك بعيدا عن الصخب العاطفي الذي لا يولّد
سوى الضجيج الفارغ، ولا يُثمر إلا عنادا أعمى، كما كشفت هذه الأحداث على أنه قد
حان الوقت لمساءلة هذه الازدواجية الأخلاقية التي تُشرعن عنصريةً صارخة تجاه العرب
والمسلمين تحت غطاء "الرأي السياسي"!
كما أن السردية الإسرائيلية الإعلامية
شهدت انهيارا منهجيا منذ السابع من أكتوبر، حيث لم تعد حججها الجاهزة - من التركيز
الانتقائي على "حماس" إلى الادعاءات غير المثبتة حول وجود مسلحين في المستشفيات
وغيرها من أكاذيب - تجد صدى كما في السابق، حتى مزاعم الاغتصاب، والتي سعى الإعلام
الغربي إلى توظيفها كحجة قاطعة، تبخرت حين رفضت إسرائيل التحقيق الدولي، بل إن
محاولتهم توظيف ادعاءات الاغتصاب كـ"ورقة ضغط" انقلبت عليهم، وذلك عندما
رفضوا إجراء تحقيق أممي شامل يشمل أيضا انتهاكات جيشهم بحق المعتقلين الفلسطينيين،
في حين قبلت الأمم المتحدة بحث جميع الانتهاكات من الطرفين دون تمييز.
وهكذا لقد شكّل السابع من أكتوبر
تاريخا مفصليا، شهدنا بعده انهيارا واضحا للسردية الإسرائيلية التقليدية، حيث فقدت
أدواتها الدعائية القديمة فعاليتها، كما ولم يعد بمقدور ممثليها العسكريين - حتى
على المنصات الدولية - تبرير رفض إسرائيل للتحقيقات الدولية المستقلة حول
انتهاكاتها، في حين تؤكد منظمات حقوقية عديدة فظائع الحرب على غزة، وأصبح تفكيك
الرواية الإسرائيلية مهمة يسيرة اليوم، وذلك بعد أن فقدت مصداقيتها أمام جميع
التقارير الموثقة لهذه المنظمات الدولية المرموقة مثل "هيومن رايتس
ووتش" و"أوكسفام" و"اليونيسف" وغيرها الكثير، والتي سجلت
انتهاكات جيش الاحتلال الصهيوني بدقة.
إسرائيل اليوم تخسر الحرب الإعلامية
على نحو غير مسبوق في تاريخ هذا الكيان الصهيوني منذ نشأته، حيث بدأت وسائل
الإعلام الغربية تدرك أن مجاراتها في جرائمها واستمرار التغطية عليها سيفقدها ما
تبقى من مصداقيتها ويجعلها شريكة في جرائم الحرب اليومية، وفي المقابل نجحت
الصحافة العربية الفلسطينية وإعلام المقاومة في إيصال صوت الحقيقة وفضح الإبادة الإسرائيلية
لغزة، كما ولا تزال هذه المهمة مستمرة؛ ولهذا يجب ألا نتوقف عن الحديث عن غزة خاصة
وفلسطين عامة، وذلك من خلال المشاركة والتفاعل والتعليق والنشر على وسائل التواصل
الاجتماعي، ودعم الحسابات المدافعة عن فلسطين بمتابعتها والتعريف بها، وذلك لأن كل
كلمة وكل فعل يُحدث فرقا هائلا في معركة الوعي بالحقيقة والعدالة للقضية.
الحقيقة الجوهرية هنا تتمثل أنه حين
تقف المنظومة الحقوقية العالمية بأكملها ضدك، تصبح آلة الدعاية الإسرائيلية عاجزة
عن الاستمرار في التضليل إلى ما لا نهاية، فالحقائق عندما تُكشف وتُوثق، تصير أقوى
من أي سردية مزيفة، واللافت هنا أيضا أن بعض الخبراء الإسرائيليين بدأوا بأنفسهم
يعترفون بهزيمتهم في هذه المعركة الإعلامية تجاه القضية الفلسطينية، وذلك بعدما
كشف الصحفيون والناشطون الفلسطينيون أو حتى المتعاطفين معهم من الناحية الإنسانية
تناقضاتهم واحدا تلو الآخر، والخلاصة أن العالم لم يعد يثق بالرواية الإسرائيلية الصهيونية، وهو ما يفسر حالة الذعر والتراجع الواضح في أدائهم الإعلامي، وذلك
بعد أن كانوا يُعتبرون سادة صناعة الروايات، فالحقائق أصبحت أقوى من الدعاية،
والضمير العالمي بدأ يستيقظ على حقيقة ما يجري.