قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

غياب فكرة نهاية الحياة والموت عن عقول الزعماء

غياب فكرة نهاية الحياة والموت عن عقول الزعماء

-الخلود والاستمتاع بالمال والسلطة والحكم -

جاء في كتاب "تاريخ الخلفاء" للسيوطي أن الثعالبي روى الرواة من غير وجه عن عبد الملك بن عمير الليثي قال: "رأيت في هذا القصر -وأشار إلى قصر الإمارة بالكوفة- رأيت رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما بين يدي عبيد الله بن زياد على ترس، ثم رأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير، ثم رأيت رأس مصعب بن الزبير بين يدي عبد الملك -أي الخليفة عبد الملك بن مروان-." وهذا حال الدنيا!!!


لا أدري إذا كانت هذه القصة صحيحة، لكن حتى لو لم تكن حقيقية، فهي برأيي تستحق التفكر والتأمل، وذلك كلما عايشنا قصص سقوط الطغاة قديما وحديثا، حيث سوف نلاحظ أنه ما زالت الدروس تتكرر في كل زمان ومكان، وكيف ما زال الإنسان على غيّه وظلمه وتكبره وجبروته كما هو، حيث قال الله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ) (العلق 6 – 7)، وهنا نقصد كل الحكام من ملوك ورؤساء وزعماء تاريخيا، وكيف لم يتعظ منهم إلا قليل القليل!!


وأريد أن يفكر كل واحد منا الآن بما يعرفه مما يراه من أحداث أو يسمعه في الأخبار، أو حتى يتداول بين الناس في المقاهي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، هل هناك خبر أو حتى إشارة لخبر أنه بالفعل هناك أي شخص متنفذ (ملك أو أمير أو رئيس أو زعيم) في هذا العالم الصغير التافه، فكّر ولو قليلا أو حتى شعر ولو بأحاسيس متلبدة بأنه من الممكن أن يكون الدور عليه في المرة القادمة؟! أو أنه على الأقل يتأمل ويفكر بنهاية من قبله من هؤلاء؟!


أعتقد وأكاد أجزم أن أي حاكم من هؤلاء (ملك أو أمير أو رئيس أو زعيم)، عندما ينظر إلى أمثاله ممن سقطو قديما ويسقطو حديثا، وطبعا هو هنا لن تخطر على باله أبدا كلمات مثل "طغيان أو استبداد أو ظلم أو ديكتاتورية أو شمولية" أصلا، لن يفكر مثلا للحظة واحدة فقط بأن هذه الدنيا لا تدوم، وأن هذه الدنيا ليس فيها استقرار أو دوام للحال، كما وليس فيها أمان أو حتى ثقة، وبمعنى آخر ومختصر لن يفكر بأن هذه حياة ودنيا مؤقتة وليست جنة مستمرة وخالدة، وليست المقر والمستقر النهائي، ومنه فهي ليست حياة يستحق أن نضحي بكل شيء من أجلها، وهي ليست أصلا الهدف من وجودنا على هذه الأرض.


طبعا لا يوجد إنسان على وجه هذه الأرض، رئيس أو غير رئيس، ولا حتى خادم في قصر ما، ولا مشرد على قارعة الطريق، إلا ويعرف أنه سيموت، وهذا مفروغ منه وحقيقة وحق ثابت، وحتى الذين يفكرون اليوم بما بعد هذه الحياة الإنسانية على هذه الأرض، واحتمال أن يشحنوا أفكارهم ووعيهم ومشاعرهم إلى أجساد أخرى، ويفكروا بأن هذا هو البديل للخلود مستقبلا، فإن حتى من يفكر بهذه الطريقة الخرافية فهو لا يفكر بأنه خلود إلى ما لا نهاية، بل هو يفكر فقط بتمديد مؤقت لفترة بقائه في هذه الدنيا التي يعرف أن لها نهاية حتما، أو على الأقل يصعب أن يتصور في عقله أنها ستمتد إلى ما لا نهاية -على الأقل على هذه الأرض التي نعيش عليها- فهل من مُعتبر؟!


كل واحد من هؤلاء وهو على هذه الأرض التي نعيش عليها يعرف بأنها في النهاية ستنتهي وتتلاشى، ستنفجر وتختفي المجموعة الشمسية بأكملها، سيحدث لها أمر ما -حتى هذا علميا وفلكيا مثبت، فالنجوم والكواكب والمجرات لها عمر افتراضي (نهائي)-، وأيضا حتى عندما نبالغ بأخذ كل الاحتمالات في الاعتبار، وأن هناك من يفكر بالفعل بأن وفاة جسده لن تكون هي النهاية، لكن هو نفسه يعرف أن هناك ستكون نهاية لو شُحن بعقله أو شعوره إلى جسد آخر، وذلك لأن هناك نهاية حتمية لهذا الجسد البشري ولكل الأجساد والحيوات الأخرى التي سينتقل لها، كما وهناك نهاية لهذه الأرض والكون والوجود، ولهذه الحياة المعاشة بشكلها الحالي، ونحن كمسلمين نعرف أن هذه الحياة الدنيا مجرد وجود مؤقت على هذه الأرض، ثم روح ستخلد في شكل ومكان آخر، أي انتقال إلى عالم البرزخ، ثم إلى ما بعد البرزخ في عالم الآخرة، ثم الخلود في الجنة أو في النار.


السؤال الآن هو أن الذي يفكر بالفعل أن هذه الحياة ستنتهي، لماذا يركز كل وجوده وطاقته واهتمامه على هذه المرحلة المؤقتة والزائلة (الدنيا)؟! وفوق ذلك أيضا نعود لنفس السؤال الأول: لماذا الذين يركزون كل وجودهم على التمتع بالسلطة والحكم في هذه الحياة ولا يتعظون بمن خسر ويخسر اللعبة أمام أعينهم؟! وكما قيل "لو دامت لغيرك ما وصلت إليك"، وللمفارقة هنا يقال إن الكثير من الملوك والأمراء والخلفاء قديما، وحتى بعض الزعماء والقادة والحاكم المعاصرين يعرفون هذه المقولة جيدا، بل وبعضهم يعلقونها في قصورهم وفي مكاتبهم، أي تخيل الآن أنه حتى مع اعتراف هؤلاء بهذه المقولة الخطيرة والعميقة والحساسة والصريحة، لكن هل يتعظون؟! أو على الأقل هل تجد أثر هذا الاتعاظ في بعض، أو حتى في نذر يسير من أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم؟!


كما ما الفائدة أصلا من تعليق هذه العبارة في مكان ما في القصر إذا كان القصر نفسه مبنيا بأفضل طراز، وبرفاهية مطلقة ومبالغ فيها، وإذا كان كل شبر فيه يحكي لك قصة من الثراء الفاحش والبذخ والاستمتاع بهذه الدنيا والتمسك بها لأقصى الحدود؟! فأين التطبيق العملي لهذه المقولة؟! "لو دامت لغيرك ما وصلت إليك"، وهل هذه الفكرة مثلا فكّر فيها أو حتى خطرت على بال أي رئيس أو زعيم أو حاكم أطيح به أو هرب أو حتى قتل أو مات؟! وهل كان أصلا يفكر بزوال هذه الدنيا وبما يلزم بعدها أو حتى يستعد لهذه اللحظة في حياته، بل هو يفكر فقط بالاستمتاع بهذه الدنيا وبأكبر قدر ممكن ولا شيء أكثر من ذلك!!


وطبعا من لزام ذلك أيضا هو استمرارية التفكير الدائم بالتمسك بالسلطة والحكم إلى أطول فترة ممكنة، ثم إذا حدث الاحتمال الآخر ونُزعت منه هذه السلطة لأي سبب كان، فالحل إذا هو الاستمتاع بما بقي له من آثار هذه السلطة، وهو الاستمتاع بالثروة والمال (المنقول وغير المنقول) الذي نهبه من الناس الذين كان يحكمهم ويتسلط عليهم، وهل أيضا يفكر مثلا بالاعتذار؟! أو هل يفكر بالندم؟! وهل هناك احتمال للتوبة؟! وهل يفكر بأنه أخطأ أصلا؟! طبعا لا!! فلا شيء يدل على أن هذا وارد أصلا في قاموس هذا المخلوق!! وقس عليه كل الطغاة الذين كانوا وما زالوا مثله تماما.


والمفارقة الأخرى تحصل أنه بعد سقوط رئيس ما أو هروب زعيم آخر أو قتل حاكم ما أو حتى موته، فإنه تمر علينا بعدها صور ممتلكاتهم وقصورهم الرئاسية المتجددة دائما، قصور خلابة وسيارات فاخرة ومقتنيات فوق مستوى الخيال، والتي تستعرض لنا بالمشاهد الطويلة الجذابة في ردهات هذه القصور والأماكن المتنوعة الأخرى، وبلقطات استعراضية لتظهر الفخامة المبالغ فيها التي كان يعيش فيها هؤلاء، والسؤال هنا هل فكّر أي من هؤلاء أو غيرهم من المرافقين والمقيمين معهم بالمصير النهائي لهذه الحياة، وذلك بعد أن استعبادوا شعوبهم وجعلوا البعض منهم يعبدهم بالفعل كآلهة، ولسان حالهم الفرعونية يقول: "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي"، وهي العبارة التي تفاخر بها فرعون وقالها تكبرا على موسى عليه السلام، وتباهى بها أمام شعبه الذي استعبده وكان بالفعل يعبده كإله، وهي هنا تتكرر بالفعل والمعنى مع كل حاكم مسلم -يفترض أنه يؤمن بالقرآن الكريم-  ولكنه يطبق عمليا كلمات الطاغية الذي لعنه الله تعالى!!


وأخيرا الأعجب من كل ما سبق هو أن النتيجة واحدة، وذلك سواء كان الحاكم فرعونا يعلن ألوهيته، أو حاكما مسلما يبني القصور الفاخرة ويستعبد الناس تحت شعارات دينية!! وإذا كان عبيد الفرعون الأول عبدوه لأنهم اعتقدوا أنه إله، فلا عذر لمن يستعبدهم رئيس يدّعي الإسلام، لكن لا فرق في النهاية، نفس الترف، نفس البذخ، نفس التكبر، نفس استعباد البشر!! كما وأن هذا الهوس بما سبق من عجائب في عقلية هؤلاء الزعماء، هي لأنهم يعتقدون أنها سوف تخلد ذكراهم!! لكنها في الحقيقة مجرد أوهام - فكم من طاغية بنى الصروح ثم طواه النسيان؟! فهل يتعظون؟!

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart