قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

العداء والنظرة الغربية الاستعلائية العنصرية للعرب والمسلمين

العداء والنظرة الغربية الاستعلائية العنصرية للعرب والمسلمين

- ازدواجية المعايير الغربية -

العداء للإسلام والعرب في الغرب له جذور عميقة تمتد من الحروب الصليبية إلى عصر الاستعمار، وكما أشار (إدوارد سعيد) في كتابه "الاستشراق"، فإن هذه النظرة الدونية للعرب والمسلمين ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج قرون من التصورات الاستعمارية التي لا تزال حية حتى اليوم، كما وقد ازدادت حدّة هذه العقلية الاستبدادية في القرن الماضي بعد الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979م، واستمرت مع بداية القرن الحالي وأحداث 11 سبتمبر 2001م، هذا ويجب ألا ننسى أن هوليوود وبدعم من المؤسسة العسكرية الأمريكية لعبت دورا محوريا في تعزيز هذه الصور النمطية المكذوبة والمختلقة عن العرب والمسلمين، وذلك من خلال الأفلام والمسلسلات (الإعلام) التي تروج للقيم الأمريكية الغربية، بينما تصور العرب والإسلام كتهديد للعالم والمسلمين كأعداء لتبرير السياسات الخارجية والعسكرية الأمريكية والأوروبية ضدهم، وهذه الظاهرة ليست أبدا "نظرية مؤامرة" بل حقيقة ملموسة وتتأكد واقعيتها وتتفاقم آثارها مع ازدواجية المعايير الغربية السائدة اليوم.


تُظهر اليوم أوروبا وأمريكا (الغرب)، والتي عانت من أبشع الحروب في العصر الحديث، ازدواجية صارخة في تعاملها مع قيمة الحياة البشرية للآخرين، مما يؤكد أن المبادئ الإنسانية الغربية غالبا ما تبقى حبرا على ورق عندما يراد تطبيقها على الآخر (غير الأبيض الغربي)، حيث أن الحرب الأوكرانية الروسية مؤخرا كشفت حقيقة هذه المعايير الغربية، خاصة عند مقارنتها بالموقف من إسرائيل وما تفعله في غزة فلسطين، فمثلا أدان (جون كيربي)، الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي سابقا، الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم عام 2014م قائلا: "لا يمكنك الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة"، ولا ننسى أنه كان قبلها داعم لغزو العراق! إلا أن تناقضه وحكومته الأمريكية تجلى بوضوح في التعامل مع غزة، حيث تم تبرير احتلال أراضي غزة مرة أخرى والسكوت على قضم أراضي الضفة الغربية المستمر من سنوات، إضافة لقصف إسرائيل للمستشفيات والمباني والمدنيين، بينما يتم إدانة روسيا لنفس الأفعال (وهي أقل بكثير)، وذلك حتى محكمة الجنايات الدولية كشفت هذا الزيف، حيث احتفل الغرب بإصدار مذكرة اعتقال بوتين، إلا أنهم هاجموا المحكمة عندما طالبت بملاحقة مسؤولين إسرائيليين!


الجذور العميقة لهذه الازدواجية بشكل عام تعود لعوامل متعددة، فعلى المستوى الحكومي، تبقى المعايير متفاوتة وتُظهر تداخل الجوانب المتعددة للعلاقات الدولية، وذلك من تحالفات سياسية واقتصادية، ومصالح جيوسياسية وغيرها، كما وعلى المستوى الشعبي المجتمعي، فتتفشى العنصرية بشكل مقلق، حيث إن المواطن الغربي العادي، وللأسف يُظهر هذه المعايير المزدوجة ليس لأسباب جيوسياسية تتعلق بالمناطق الآخرى (آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وغيرها)، بل للنظرة الدونية لحياة الآخر أيا كان مقابل حياة الأوروبي والأمريكي الغربي، ولهذا فإن حياة الفلسطينيين والعرب - بكل أسف - لا تُقاس بنفس المكيال الذي تُقاس به حياة الأوروبيين أو الأمريكيين (الغربيين)، وهي حقيقة مؤلمة تتجلى بوضوح في التعامل الدولي مع القضايا الإنسانية في هذه المناطق.


هذا ولقد كشفت الحرب الأوكرانية الروسية عن التناقض الصارخ في هذه المبادئ الغربية، حيث وصف الإعلام الغربي اللاجئين الأوكرانيين بعبارات عنصرية مثل "أوروبيون بعيون زرقاء" و"هذه ليست العراق، إنها مدينة متحضرة" وغيرها الكثير، في حين كان يُعامل اللاجئون السوريون والعراقيون وغيرهم كدخلاء، ولقد صدق (غاندي) قديما عندما علّق بسخرية لاذعة عن الحضارة الغربية قائلا: "إنها فكرة رائعة... لو طُبقت بصدق"، وهذا النفاق يتجلى أيضا حتى داخل أوروبا نفسها، حيث يذكر أنه بعد الأزمة الأوكرانية الروسية بأشهر قليلة ظهرت على القناة الرابعة البريطانية لاجئة أوكرانية في برمنغهام تشتكي من "الكثرة المزعجة للمسلمين" في حيّها، متناسيةً أن هؤلاء "الغرباء" هم في الواقع مواطنون بريطانيون وُلدوا وترعرعوا في تلك الأحياء، وهذه المفارقة تكشف العمق الاستعماري الذي لا يزال يشكّل العقلية الأوروبية الغربية حتى اليوم.


كما ولا ننسى أن هذه الازدواجية تجلت أيضا خلال كأس العالم في قطر 2022م، حيث تعامل الإعلام الغربي مع العرب وكأنهم كائنات غريبة ومختلفة! فلقد كشفت بطولة كأس العالم في قطر عن جذور الإسلاموفوبيا والعنصرية المتفشية في الإعلام الغربي تجاه العرب والمسلمين، حيث وفي مفارقة صارخة غطّت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) حفليّ افتتاح كأس العالم في روسيا وأولمبياد بيجين في الصين - رغم سجلهما السيء في انتهاكات حقوق الإنسان - بينما قاطعت حفل قطر لتبث بدلا منه جدلا حول حقوق الإنسان والعمال في الخليج! صحيح أنه كان هناك بعض المشاكل في حقوق العمالة الوافدة في قطر والخليج عموما، لكن أن يتم انتقاد قطر بمعايير لم تُطبق على روسيا أو الصين يكشف تحيزا عنصريا مقيتا وواضحا، كما وتكشف هذه المعايير المزدوجة عن نظرة استعلائية تعامل الدول العربية والإسلامية ككيان منفصل عن باقي دول العالم (المتحضر)، وكيف أنه يجب التعامل معها ومحاسبتها بقوانين ومعايير لا تُطبق على الآخرين.


لقد تعرض كأس العالم في قطر على الرغم من نجاحه الكبير، لهجوم إعلامي غربي غير مسبوق، وهذا يؤكد أن المشكلة ليست في الحقيقة والحقائق، بل في العدسة المشوهة التي يرى الغرب من خلالها العالم العربي والإسلامي، حيث شهدنا لأول مرة مونديالا خال تماما من حوادث الاعتداء الجنسي أو التحرش، بل والأكثر أمانا في التاريخ، كما وهي المرة الأولى التي لم يُسجل فيها أي اعتقال لمشجع إنجليزي - مفارقة تستحق التأمل! - فبإزالة الكحول من المعادلة، تحقق ما عجزت عنه عقود من الحملات الأمنية العالمية، وهو خفض معدلات العنف إلى الصفر في الفعاليات الرياضية المتنوعة، وهذه الحقائق تثبت أن النموذج القطري العربي المسلم كان قد قدّم معادلةً ناجحةً تجمع بين الأصالة والحداثة رغم كل محاولات التشويه.


كما كانت أيضا نهائيات كأس العالم في قطر، فرصة عظيمة كشفت زيف المحاولات الإعلامية لتشويه الحدث، حيث برزت التجربة القطرية ناجحةً بكل المقاييس، كما أثبتت البطولة أن الإشكالية ليست في الدولة المضيفة، بل في العقلية الاستعمارية التي ترفض الاعتراف بالعرب والمسلمين كأنداد في المنظومة الدولية، حيث كانت هذه البطولة حدثا فريدا بكل معنى الكلمة، وذلك حتى عندما ارتدى النجم (ليونيل ميسي) "البشت" العربي بكل فخر أثناء رفع الكأس، حوّله الإعلام الغربي إلى موضوع للسخرية بدلا من الاحتفاء بالتعبير الثقافي المختلف، وذلك في تجسيد صارخ للعنصرية الثقافية التي ترفض الاعتراف بالآخر إلا من خلال منظارها الضيق.


وهكذا فإن الصورة النمطية المشوهة للعرب والمسلمين في الإعلام الغربي ليست وليدة اللحظة أو نتيجة لسوء فهم عابر، بل هي حملة دعائية ممنهجة تمتد جذورها لقرون وعقود من الزمن، وكما كشف الباحث العربي الأمريكي الراحل (جاك شاهين) في دراسته الرائدة "العرب الأشرار حقا"، فإن هوليوود كانت تقدم العربي والمسلم بصورة الإرهابي الغبي من سنوات طويلة، ويتجلى ذلك بوضوح في العديد من الأفلام والمسلسلات التي تجسد شخصية الزعيم الإرهابي كشخصية عربية إسلامية كاريكاتورية عاجزة وغبية ومتخلفة! وهذه التمثيلات المهينة ليست عفوية، بل تشكل جزءا من سردية عنصرية استعمارية متعمدة الجوانب تهدف إلى تشويه صورة العرب والمسلمين وتجريدهم من إنسانيتهم في الوعي الجمعي الغربي.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart