قصة سيدنا ذو الكفل عليه السلام
سيدنا ذو الكفل عليه السلام هو من الأنبياء الصالحين،وقد كان يصلي في كل يوم مائة صلاة،وقيل إنه سمي بذي
الكفل لأنه تكفل لبني قومه بأن يقضي بينهم بالعدل ويكفيهم أمرهم،كما وقال أهل التاريخ أن
ذو الكفل هو إبن أو حفيد أيوب عليه السلام وأسمه في الأصل (بشر) وقد بعثه الله بعد أيوب
وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوقي بها،وقد كان مقامه في الشام وأهل دمشق
يتناقلون أن له قبرا في جبل هناك يشرف على دمشق يسمى قاسيون.
أما بعض العلماء فإنهم يرون أن ذو الكفل ليس بنبي وإنما هو رجل من الصالحين من بني
إسرائيل،إلاّ أن إبن كثير قد رجح نبوته لأن الله تعالى قرنه مع الأنبياء،حيث قال تعالى:
{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ،وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ} كما وقال إبن
كثير: أن الظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونا مع هؤولاء السادة
الأنبياء،أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام وهذا هو المشهور،والقرآن الكريم لم
يزد على ذكر إسمه في عداد الأنبياء،أما دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم فلم
يتعرض لشيء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل،لذلك نمسك عن الخوض في موضوع دعوته
حيث أن كثيرا من المؤرخين لم يوردوا عنه إلا الشيء اليسير.
ومما
ينبغي التنبه له أن (ذا الكفل) الذي ذكره القرآن هو غير (الكفل) الذي ذكر في
الحديث الشريف،حيث أن نص الحديث كما رواه الأمام أحمد عن إبن عمر رضي الله عنهما قال:
(كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله،فأتته إمرأة فأعطاها ستين دينار على
أن يطأها،فلما قعد منها مقعد الرجل من إمرأته أرعدت وبكت،فقال لها: ما يبكيك ؟ أأكرهتك
؟ قالت: لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملتني عليه الحاجة،قال: فتفعلين هذا
ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل،فقال: إذهبي بالدنانير لك ثم قال: والله لا يعصي الله
الكفل أبدا،فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: قد غفر الله للكفل)،فنلاحظ هنا أن لفظ الحديث (الكفل)
من غير إضافة هو إذا رجل آخر غير المذكور في القرآن.
ويذكر
بعض المؤرخين أن ذا الكفل تكفّل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بينهم بالعدل فسمي
ذا الكفل،كما وذكروا بعض القصص في ذلك ولكنها قصص تحتاج إلى تثبت وإلى تمحيص وتدقيق،كما أن من يقول أن ذو الكفل لم يكن نبيا وإنما كان رجلا صالحا من بني إسرائيل،وأنه كان في
عهد نبي الله اليسع عليه السلام،يعتمد على الرواية القائلة : أنه لما كبر سيدنا اليسع قال: لو أني إستخلفت
رجلاً على الناس يقوم عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل ؟ فجمع الناس وقال: من
يتقبل لي بثلاث إستخلفه: يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب،فقام رجل تزدريه
العين،فقال: أنا،فقال اليسع: أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولا تغضب ؟ قال: نعم،لكن
اليسع -عليه السلام- ردّ الناس ذلك اليوم دون أن يستخلف أحدا،وفي اليوم التالي خرج
اليسع -عليه السلام- على قومه وقال مثل ما قال في اليوم الأول،فسكت الناس وقام ذلك
الرجل فقال: أنا،فإستخلف اليسع ذلك الرجل.
كما ويذكر أيضا عن ذو الكفل أن إبليس جعل يقول للشياطين: عليكم بفلان،فأعياهم ذلك،فقال دعوني وإياه،فأتاه في صورة شيخ
كبير فقير،وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة،وكان ذو الكفل لا ينام الليل والنهار إلا
تلك النّومة،فدقّ الباب،فقال ذو الكفل: من هذا ؟قال: شيخ كبير مظلوم،فقام ذو
الكفل ففتح الباب،فبدأ الشيخ يحدّثه عن خصومة بينه وبين قومه وما فعلوه به وكيف
ظلموه،وأخذ يطوّل في الحديث حتى حضر موعد مجلس ذو الكفل بين الناس،وذهبت القائلة،فقال
ذو الكفل: إذا رحت للمجلس فإنني سوف آخذ لك بحقّك،فخرج الشيخ وخرج ذو الكفل لمجلسه دون
أن ينام،لكن الشيخ لم يحضر للمجلس وإنفض المجلس دون أن يحضر الشيخ،وعقد المجلس في
اليوم التالي،لكن الشيخ لم يحضر أيضا،ولما رجع ذو الكفل لمنزله عند القائلة ليضطجع
أتاه الشيخ فدق الباب،فقال: من هذا ؟ فقال: الشيخ الكبير المظلوم،ففتح له،فقال:
ألم أقل لك إذا قعدت فاتني ؟ فقال الشيخ: إنهم أخبث قوم،فإذا عرفوا أنك قاعد قالوا
لي نحن نعطيك حقك،وإذا قمت جحدوني،فقال ذو الكفل: إنطلق الآن،فإذا رحت مجلسي فأتني،وفاتته
القائلة،فراح مجلسه وإنتظر الشيخ فلم يراه وشق عليه النعاس،فقال لبعض أهله: لا
تدعنَّ أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام،فإني قد شق عليّ النوم،فقدم الشيخ،فمنعوه من
الدخول،فقال: قد أتيته أمس،وذكرت لذي الكفل أمري،فقالوا: لا والله لقد أمرنا أن لا
ندع أحداً يقربه،فقام الشيخ وتسوّر الحائط ودخل البيت ودق الباب من الداخل،فإستيقظ ذو الكفل وقال لأهله: ألم آمركم ألا يدخل علي أحد ؟ فقالوا: لم ندع أحدا يقترب،فأنظر
من أين دخل،فقام ذو الكفل إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه،وإذا الرجل معه في
البيت،فعرفه فقال: أَعَدُوَّ اللهِ ؟ قال: نعم،أعييتني في كل شيء،ففعلت كل ما ترى
لأغضبك،وهكذا سماه الله ذا الكفل لأنه تكفل بألأمر فوفى به،والله أعلم