قصة سيدنا إسماعيل عليه السلام
سيدنا إسماعيل عليه السلام هو إبن سيدنا إبراهيم البكر وولد السيدة هاجر،وقد عاش
137 سنة ودفن بجوار والدته (هاجر) في مكة،حيث سار سيدنا إبراهيم
بهاجر - بأمر من الله - حتى وضعها وإبنها في موضع مكة وتركهما ومعهما قليل من
الماء والتمر،ولما نفد الزاد جعلت السيدة هاجر تطوف هنا وهناك حتى هداها الله إلى
ماء زمزم،ثم وفد عليها كثير من الناس حتى جاء أمر الله لسيدنا إبراهيم ببناء الكعبة
ورفع قواعد البيت،فجعل إسماعيل يأتي بالحجر وإبراهيم يبني حتى أتما البناء،وبعدها جاء
أمر الله بذبح إسماعيل حيث رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح إبنه،فعرض عليه ذلك،حيث
قال تعالى: {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} ففداه الله بذبح
عظيم،وقد كان سيدنا إسماعيل عليه السلام فارسا فهو أول من إستأنس الخيل،كما أنه كان صبورا حليما،ويقال إنه أول من تحدث بالعربية البينة،كما كان صادق الوعد ويأمر أهله بالصلاة والزكاة وينادي بعبادة الله ووحدانيته.
ولقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم،ثلاث مشاهد من حياة سيدنا إسماعيل
عليه السلام،وكل مشهد فيها عبارة عن محنة وإختبار لكل من إبراهيم وإسماعيل عليهما
السلام،وأول هذه المشاهد هو أمر الله سبحانه وتعالى لإبراهيم بترك إسماعيل وأمه في
واد مقفر،لا ماء فيه ولا طعام،فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا الإستجابة لهذا
الأمر الرباني،وهذا بخلاف ما ورد في الإسرائيليات من أن سيدنا إبراهيم حمل إبنه
وزوجته لوادي مكة لأن سارة - زوجة إبراهيم الأولى- إضطرته لذلك من شدة غيرتها من هاجر،فالمتأمل
لسيرة سيدنا إبراهيم عليه السلام،سيجد أنه لم يكن ليتلقّى أوامره من أحد غير الله،حيث
أنزل زوجته وإبنه مكة وتركهما هناك،وترك معهما جرابا فيه بعض الطعام وقليلا من
الماء ثم إستدار وتركهما وسار،وقد أسرعت
خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه
شيء ؟ ولم
يرد عليها سيدنا إبراهيم وظل يسير،ثم عادت تقول له ما قالته وهو صامت،أخيرا فهمت
أنه لا يتصرف هكذا من نفسه وأدركت أن الله أمره بذلك،فسألته: هل الله أمرك بهذا ؟ فقال
إبراهيم عليه السلام: نعم،فقالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا
وهو الذي أمرك بهذا.
وهنا سار
سيدنا إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما،وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح
يدعو الله،حيث قال تعالى: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ
غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ
الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} ولم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد،كما
لم تكن الكعبة قد بنيت،وقد كانت هناك حكمة عليا في أمر الله سبحانه لسيدنا إبراهيم،حيث إن إسماعيل - الطفل الذي تُرِكَ مع أمه في هذا المكان- ووالده سيكونان
المسؤولان عن بناء الكعبة فيما بعد،حيث كانت حكمة الله تقضي أن يسكن أحد في هذا
الوادي ليمتد إليه العمران.
وبعد
أن ترك سيدنا إبراهم زوجته وإبنه الرضيع في الصحراء لأيام،نفد الماء وإنتهى الطعام
وجف لبن الأم،وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش،حيث بدأ إسماعيل يبكي من العطش،فتركته
أمه وإنطلقت تبحث عن ماء،فراحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل إسمه (الصفا) فصعدت
إليه وراحت تبحث به عن بئر أو إنسان أو قافلة ولم يكن هناك شيء،ثم نزلت مسرعة من
الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي،راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي
ووصلت إلى جبل إسمه (المروة)،فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا،ثم عادت
الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد إشتد عطشه،فأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه،وهرولت إلى
المروة فنظرت من فوقه،وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين،أي سبع مرات
وهي تذهب وتعود - ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة – ثم عادت
هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث وجلست بجوار إبنها الذي كان صوته قد
بح من البكاء والعطش.
وفي
هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله،فضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي،فإنفجرت
تحت قدمه بئر زمزم وفار الماء من البئر،وهكذا أنقذت حياتا الطفل والأم،وراحت الأم
تغرف بيدها وهي تشكر الله وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة،وقد صدق
ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا،ومنها بدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة،بحيث
جذب الماء الذي إنفجر من بئر زمزم عديدا من الناس وبدأ العمران يبسط أجنحته على
المكان.
أما
المحنة الثانية فكانت عندما كبر سيدنا
إسماعيل وتعلق به قلب أبيه إبراهيم،لأنه جاءه العقب على كبر فأحبه،فإبتلى الله
تعالى سيدنا إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب،حيث رأى إبراهيم عليه السلام في
المنام أنه يذبح إبنه الوحيد إسماعيل،وإبراهيم يعلم أن رؤيا الأنبياء وحي وحق.
وننظر
هنا ونتأمل في أي نوع من أنواع الإختبار يختبر الله تعالى نبيه،فنحن أمام نبي
قلبه أرحم قلب في الأرض،حيث إتسع قلبه لحب الله وحب من خلق،فها هو قد جاءه إبن على كبر،كما وقد
طعن هو في السن ولا أمل له في أن ينجب،ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام
أنه يذبح إبنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره،فلنتخيل أي نوع من الصراع نشب في
نفسه،ويخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط،حيث لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي
يخلو من الصراع،وهكذا نشب الصراع في نفس سيدنا إبراهيم،وهو صراع أثارته عاطفة الأبوة
الحانية،لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح إبنه،فليس إبراهيم من يسأل ربه عن
أوامره.
وقد فكر سيدنا
إبراهيم في ولده وماذا سيقول عنه إذا أرقده على الأرض ليذبحه،وأنه من الأفضل أن يقول
لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا فهذا أفضل،وهكذا
إنتهى الأمر بأن ذهب سيدنا إبراهيم إلى ولده،حيث قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ
إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} ونلاحظ هنا
إلى تلطفه في إبلاغ ولده وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة،حيث إن الأمر مقضي في
نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه،فماذا يرى الإبن الكريم في ذلك ؟ فأجاب سيدنا
إسماعيل: أنّ هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه،حيث قال تعالى:{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا
تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ونتأمل هنا رد الإبن
الذي يعرف أنه سيذبح،حيث يمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده إِن
شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين.
فإنه
الصبر على أي حال وعلى كل حال،فها هو ذا سيدنا إبراهيم يكتشف أن إبنه ينافسه في حب
الله،ولا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد إستسلام إبنه الصابر،ثم ينقلنا
الحق نقلة خاطفة،فإذا بسيدنا إسماعيل راقد على الأرض ووجهه في الأرض رحمة به كيلا
يرى نفسه وهو يذبح،وها هو سيدنا إبراهيم يرفع يده بالسكين،لأن أمر الله مطاع،حيث
تعطي كل شيء فلا يتبقى منك شيء،عندئذ فقط وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ
لإمضاء أمره،نادى الله إبراهيم،حيث إنتهى إختباره،وفدى الله تعالى سيدنا إسماعيل
بذبح عظيم،وصار ذلك اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد وهم المسلمون،فصارت هذه
اللحظات عيدا للمسلمين،عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم
وإسماعيل.
بعد
ذلك عاش سيدنا إسماعيل في شبه الجزيرة العربية ما شاء الله له أن يعيش،فروض الخيل
وإستأنسها وإستخدمها،كما وساعدت مياه زمزم على سكنى المنطقة وتعميرها،فإستقرت بها
بعض القوافل وسكنتها القبائل،وكبر إسماعيل وتزوج،وزاره سيدنا إبراهيم يوما فلم
يجده في بيته ووجد إمرأته،فسألها عن عيشهم وحالهم،فشكت إليه من الضيق والشدة،فقال
لها سيدنا إبراهيم: إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه،فلما جاء إسماعيل ووصفت
له زوجته الرجل،قال: هذا أبي وهو يأمرني بفراقك فإلحقي بأهلك،وتزوج سيدنا إسماعيل إمرأة
ثانية،وزارها سيدنا إبراهيم يوما وسألها عن حالها،فحدثته أنهم في نعمة وخير،فطاب صدر
سيدنا إبراهيم بهذه الزوجة لإبنه.
أما الإختبار
الثالث،فهو إختبار لا يمس إبراهيم وإسماعيل فقط،بل يمس ملايين البشر من بعدهم إلى يوم
القيامة،فهي مهمة أوكلها الله تعالى لهذين النبيين الكريمين،وهي مهمة بناء بيت
الله تعالى في الأرض،فعندما كبر سيدنا إسماعيل وبلغ أشده،جاءه سيدنا إبراهيم وقال
له: يا إسماعيل،إن الله أمرني بأمر،فقال إسماعيل: إصنع ما أمرك به ربك،فقال
إبراهيم: وتعينني ؟ قال: وأعينك،فقال إبراهيم: فإن الله أمرني أن أبني هنا بيتا،وأشار
بيده لصحن منخفض هناك.
وهكذا صدر
الأمر الأمر الإلهي ببناء بيت الله الحرام،فهو أول بيت وضع للناس في الأرض وهو أول بيت عبد فيه
الإنسان ربه،ولما كان آدم هو أول إنسان هبط إلى الأرض،فإليه يرجع فضل بنائه أول
مرة،فقد قال العلماء: إن آدم بناه وراح يطوف حوله مثلما يطوف الملائكة حول عرش الله
تعالى،حيث بنى سيدنا آدم خيمة يعبد فيها الله،وهو شيء طبيعي أن يبني آدم - بوصفه
نبيا- بيتا لعبادة ربه،وقد أحاطت الرحمة بهذا المكان،ثم مات سيدنا آدم ومرت القرون
وطال عليه العهد فضاع أثر البيت وخفي مكانه،وها هو ذا سيدنا إبراهيم يتلقى الأمر
ببنائه مرة ثانية،ليظل في المرة الثانية قائما إلى يوم القيامة إن شاء الله،وهكذا بدأ
بناء الكعبة المشرفة.
فأي
جهد شاق بذله النبيان الكريمان وحدهما،فقد كان عليهما حفر الأساس لعمق غائر في
الأرض،كما كان عليهما قطع الحجارة من الجبال البعيدة والقريبة ونقلها بعد ذلك وتسويتها
وبنائها وتعليتها،وكان هذا الأمر يستوجب جهد جيل من الرجال،ولكنهما بنياها معا،ولا
نعرف كم هو الوقت الذي إستغرقه بناء الكعبة،كما نجهل الوقت الذي إستغرقه بناء
سفينة نوح،المهم أن سفينة نوح والكعبة كانتا معا ملاذا للناس ومثوبة وأمنا،فالكعبة
هي سفينة نوح الثابتة على الأرض أبدا،وهي تنتظر الراغبين في النجاة من هول الطوفان
دائما،ولم يحدثنا الله تعالى عن زمن بناء الكعبة،ولكنه حدثنا عن أمر أخطر وأجدى
وهو تجرد نفسية من كان يبنيها ودعائه وهو يبنيها،حيث قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ
مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا
مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا
مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ
الحَكِيمُ}.
وهكذا
كان أعظم مسلمين (إبراهيم وإسماعيل) على وجه الأرض يومها يدعوان الله أن يتقبل عملهما،وأن
يجعلهما مسلمين له،حيث قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وهنا إستجاب الله لدعاء سيدنا إبراهيم،بحيث كان أول من سمانا المسلمين.
وبما أن إبراهيم وإسماعيل يعرفان أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن،فقد بلغت الرحمة بهما أن يسألا الله أن يخرج من ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه،حيث كان يريدان أن يزيد عدد العابدين الموحدين والطائفين والركع السجود،كما إن دعوة إبراهيم وإسماعيل تكشف عن إهتمامات القلب المؤمن،فإنه يبني لله بيته،ومع هذا يشغله أمر العقيدة،وذلك في إيحاء بأن البيت هو رمز العقيدة،ثم يدعوان الله أن يريهم أسلوب العبادة الذي يرضاه وأن يتوب عليهم فهو التواب الرحيم،بعدها يتجاوز إهتمامها هذا الزمن الذي يعيشان فيه ويجاوزانه ويدعوان الله أن يبث رسولا لهؤولاء البشر،وقد تحققت هذه الدعوة الأخيرة وذلك حين بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بعد أزمنة وأزمنة.
وعندما إنتهى بناء البيت،وأراد سيدنا إبراهيم حجرا مميزا،يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول الكعبة،أمر سيدنا إسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارة الكعبة،فسار إسماعيل ملبيا أمر والده،وحين عاد،كان سيدنا إبراهيم قد وضع الحجر الأسود في مكانه،فسأله إسماعيل: من الذي أحضره إليك يا أبت ؟ فأجاب إبراهيم: أحضره جبريل عليه السلام،وهكذا إنتهى بناء الكعبة،وبدأ طواف الموحدين والمسلمين حولها،ووقف سيدنا إبراهيم يدعو ربه نفس دعائه من قبل وهو أن يجعل أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلى هذا المكان،حيث إن الهوى يصور إنحدارا لا يقاوم نحو شيء،وقمة ذلك هوى الكعبة،ومن هذه الدعوة ولد الهوى العميق في نفوس المسلمين،رغبة في زيارة البيت الحرام،وصار كل من يزور المسجد الحرام ويعود إلى بلده،يحس أنه يزداد عطشا كلما إزداد ريا منه،ويعمق حنينه إليه كلما بعد منه،ومنها تجيء أوقات الحج في كل عام،فينشب الهوى الغامض أظافره في القلب نزوعا إلى رؤية البيت وعطشا إلى بئر زمزم.
ولقد هدمت الكعبة في التاريخ أكثر من مرة،وكان بناؤها يعاد في كل مرة،فهي باقية منذ عهد سيدنا إبراهيم إلى اليوم،وحين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم،تحقيقا لدعوة سيدنا إبراهيم،وجد الرسول الكعبة حيث بنيت آخر مرة،وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر أساسها كما حفره إبراهيم،ومن هذا نفهم إن إبراهيم وإسماعيل بذلا فيها وحدهما جهدا إستحالت - بعد ذلك- محاكاته على عدد كبير من الرجال،ولقد صرّح الرسول بأنه يحب هدمها وإعادتها إلى أساس إبراهيم،لكن قرب عهد القوم بالجاهلية وخشيته أن يفتن الناس بهدمها وبناؤها من جديد (بناؤها بحيث تصل إلى قواعد إبراهيم وإسماعيل) لغى ذلك الأمر.
وبما أن إبراهيم وإسماعيل يعرفان أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن،فقد بلغت الرحمة بهما أن يسألا الله أن يخرج من ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه،حيث كان يريدان أن يزيد عدد العابدين الموحدين والطائفين والركع السجود،كما إن دعوة إبراهيم وإسماعيل تكشف عن إهتمامات القلب المؤمن،فإنه يبني لله بيته،ومع هذا يشغله أمر العقيدة،وذلك في إيحاء بأن البيت هو رمز العقيدة،ثم يدعوان الله أن يريهم أسلوب العبادة الذي يرضاه وأن يتوب عليهم فهو التواب الرحيم،بعدها يتجاوز إهتمامها هذا الزمن الذي يعيشان فيه ويجاوزانه ويدعوان الله أن يبث رسولا لهؤولاء البشر،وقد تحققت هذه الدعوة الأخيرة وذلك حين بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بعد أزمنة وأزمنة.
وعندما إنتهى بناء البيت،وأراد سيدنا إبراهيم حجرا مميزا،يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول الكعبة،أمر سيدنا إسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارة الكعبة،فسار إسماعيل ملبيا أمر والده،وحين عاد،كان سيدنا إبراهيم قد وضع الحجر الأسود في مكانه،فسأله إسماعيل: من الذي أحضره إليك يا أبت ؟ فأجاب إبراهيم: أحضره جبريل عليه السلام،وهكذا إنتهى بناء الكعبة،وبدأ طواف الموحدين والمسلمين حولها،ووقف سيدنا إبراهيم يدعو ربه نفس دعائه من قبل وهو أن يجعل أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلى هذا المكان،حيث إن الهوى يصور إنحدارا لا يقاوم نحو شيء،وقمة ذلك هوى الكعبة،ومن هذه الدعوة ولد الهوى العميق في نفوس المسلمين،رغبة في زيارة البيت الحرام،وصار كل من يزور المسجد الحرام ويعود إلى بلده،يحس أنه يزداد عطشا كلما إزداد ريا منه،ويعمق حنينه إليه كلما بعد منه،ومنها تجيء أوقات الحج في كل عام،فينشب الهوى الغامض أظافره في القلب نزوعا إلى رؤية البيت وعطشا إلى بئر زمزم.
ولقد هدمت الكعبة في التاريخ أكثر من مرة،وكان بناؤها يعاد في كل مرة،فهي باقية منذ عهد سيدنا إبراهيم إلى اليوم،وحين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم،تحقيقا لدعوة سيدنا إبراهيم،وجد الرسول الكعبة حيث بنيت آخر مرة،وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر أساسها كما حفره إبراهيم،ومن هذا نفهم إن إبراهيم وإسماعيل بذلا فيها وحدهما جهدا إستحالت - بعد ذلك- محاكاته على عدد كبير من الرجال،ولقد صرّح الرسول بأنه يحب هدمها وإعادتها إلى أساس إبراهيم،لكن قرب عهد القوم بالجاهلية وخشيته أن يفتن الناس بهدمها وبناؤها من جديد (بناؤها بحيث تصل إلى قواعد إبراهيم وإسماعيل) لغى ذلك الأمر.