قصة سيدنا نوح عليه السلام
كان سيدنا نوح عليه السلام تقيا صادقا،بحيث أرسله الله تعالى ليهدي قومه وينذرهم من عذاب الآخرة ولكنهم عصوه
وكذبوه،ومع ذلك إستمر يدعوهم إلى الدين الحنيف،فإتبعه قليل من الناس فيما إستمر الباقي (أكثرهم) الكفرة
في طغيانهم،فمنع الله عنهم المطر جزاءا على ذلك،ثم دعاهم نوح مرة أخرى لأن يؤمنوا حتى يرفع الله عنهم هذا العذاب،فآمنوا
فرفع الله عنهم العذاب ولكنهم ما لبثوا أن رجعوا إلى كفرهم،وقد أخذ يدعوهم سيدنا نوح 950 سنة ثم أمره الله
ببناء السفينة وأن يأخذ معه زوجا من كل نوع ثم جاء الطوفان فأغرقهم أجمعين.
وقد قيل أنه قبل
أن يولد قوم نوح عاش خمسة رجال صالحين من أجداد قوم نوح،عاشوا زمنا ثم ماتوا،وكانت
أسماء الرجال الخمسة هي: (ودَّ، سواع، يغوث، يعوق، نسرا)،وبعد موتهم صنع الناس
لهم تماثيل في مجال الذكرى والتكريم،ومضى الوقت ومات الذين نحتوا التماثيل وجاء
أبنائهم ومات الأبناء وجاء أبناء الأبناء،ثم نسجت قصصا وحكايات حول التماثيل وبأن
لها قوة خاصة،وإستغل إبليس هذه الفرصة وأوهم الناس أن هذه تماثيل آلهة تملك النفع
وتقدر على الضرر،فبدأ الناس يعبدون هذه التماثيل.
وقد كان سيدنا نوح عليه السلام على الفطرة مؤمنا بالله تعالى قبل بعثته إلى الناس،وكل الأنبياء
مؤمنون بالله تعالى قبل بعثتهم،كما كان كثير الشكر لله عزّ وجلّ،وعندما إختاره الله لحمل
الرسالة،خرج نوح على قومه وبدأ دعوته،حيث قال تعالى: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ
اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ
يَوْمٍ عَظِيمٍ}،وبهذه الجملة الموجزة وضع نوح قومه أمام حقيقة الألوهية وحقيقة
البعث،فهناك إله خالق وهو وحده الذي يستحق العبادة،وهناك موت ثم بعث ثم يوم
للقيامة وهو اليوم العظيم،وقد شرح
سيدنا نوح لقومه أنه يستحيل أن يكون هناك غير إله واحد وهو الخالق،كما وأفهمهم أن
الشيطان قد خدعهم زمنا طويلا،وأن الوقت قد جاء ليتوقف هذا الخداع،ثم حدثهم نوح عن
تكريم الله للإنسان وكيف خلقه ومنحه الرزق وأعطاه نعمة العقل،وأن عبادة
الأصنام ليست سوى ظلم خالق العقل.
وقد تحرك
قوم نوح في إتجاهين بعد دعوته،حيث لمست الدعوة قلوب الضعفاء والفقراء والبؤساء،وإنحنت
على جراحهم وآلامهم بالرحمة،أما الأغنياء والأقوياء والكبراء،فتأملوا الدعوة بعين
الشك،ولما كانوا يستفيدون من بقاء الأوضاع على ما هي عليه،فقد بدءوا حربهم ضد سيدنا
نوح،ففي البداية إتهموا نوح بأنه بشر مثلهم،حيث قال تعالى: {فَقَالَ الْمَلأُ
الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا} (والملأ
هم الذين كفروا من قومه وهم الرؤساء الذين كانوا في قومه،ويسمون بالملأ لأنهم
مليئون بما يقولون)،رغم أن نوحا لم يقل غير ذلك،وأكد أنه مجرد بشر والله يرسل إلى
الأرض رسولا من البشر،لأن الأرض يسكنها البشر،ولو كانت الأرض تسكنها الملائكة لأرسل
الله رسولا من الملائكة.
وهكذا إستمرت
الحرب بين الكافرين وسيدنا نوح،حيث تصور الكفرة يومها أن دعوة نوح لا تلبث أن
تنطفئ وحدها،ولكن لما وجدوا الدعوة تجتذب الفقراء والضعفاء وأهل الصناعات البسيطة
بدءوا الهجوم على نوح من هذه الناحية،حيث هاجموه في أتباعه وقالوا له: لم يتبعك
غير الفقراء والضعفاء والأراذل،وهكذا إندلع الصراع بين نوح ورؤساء قومه،ولجأ الذين
كفروا إلى المساومة،فقالوا لنوح: إسمع يا نوح،إذا أردت أن نؤمن لك فأطرد الذين
آمنوا بك،إنهم ضعفاء وفقراء ونحن سادة القوم وأغنياؤهم ويستحيل أن تضمنا دعوة
واحدة مع هؤولاء،وإستمع
سيدنا نوح إلى كفار قومه وأدرك أنهم يعاندون،ورغم ذلك كان طيبا في رده،وأفهم قومه أنه
لا يستطيع أن يطرد المؤمنين،لأنهم أولا ليسوا ضيوفه إنما هم ضيوف الله،وليست
الرحمة بيته الذي يدخل فيه من يشاء أو يطرد منه من يشاء،إنما الرحمة بيت الله الذي
يستقبل فيه من يشاء.
وكان
سيدنا نوح يناقش كل حجج الكافرين بمنطق النبي الكريم الوجيه،وهو منطق الفكر
الذي يجرد نفسه من الكبرياء الشخصي وهوى المصالح الخاصة،حيث قال لهم إن الله قد آتاه
الرسالة والنبوة والرحمة،وهم لم يروا ما آتاه الله،فهو بالتالي لا يجبرهم على الإيمان
برسالته وهم كارهون،لأن كلمة لا إله إلا الله لا تفرض على أحد من البشر،كما أفهمهم
أنه لا يطلب منهم مقابلا (مالا) لدعوته ليثقل عليهم،إنما أجره على
الله،فهو الذي يعطيه ثوابه،كما أفهمهم
أنه لا يستطيع أن يطرد الذين آمنوا بالله،وأن له حدوده كنبي،وحدوده لا تعطيه حق
طرد المؤمنين لسببين،أولا: أنهم سيلقون الله مؤمنين به فكيف يطرد مؤمنا بالله ؟ ثانيا: أنه
لو طردهم لخاصموه عند الله،وسوف يجازيهم الله،فمن ذا الذي سوف ينصر نوحا من الله لو
طردهم ؟ كما وقال لهم نوح: إن الذين تزدري أعينكم وتحتقر وتستثقل،إنما هم مؤمنون ولن تبطل أجورهم وتضيع لإحتقاركم لهم،فالله أعلم بما في أنفسهم وهو الذي يجازيهم عليه ويؤاخذهم به،وأني سوف أظلم نفسي لو قلت إن الله لن يؤتيهم خيرا،وهكذا إنتهى نوح إلى أن مطالبة قومه له بطرد المؤمنين جهل منهم،كما وعاد
نوح يقول لهم أنه لا يدّعي لنفسه أكثر مما له من حق،فأخبرهم بتذللـه وتواضعه لله
عز وجل،وأنه لا يدّعي لنفسه ما ليس له من خزائن الله،،كما أنه لا يعلم الغيب،لأن الغيب علم إختص الله تعالى وحده به،وأخبرهم أيضا
أنه ليس ملكا،بمعنى أن منزلته ليست كمنزلة الملائكة،.
وهنا سئم
الملأ من هذا الجدل الذي يجادله نوح،حيث
قال تعالى: {قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا
فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا
يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلاَ
يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ
أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}،وقد أضاف سيدنا نوح هنا إغواء الله تعالى،وذلك تسليما بأن الله هو الفاعل في كل حال،غير أنهم إستحقوا
الضلال بموقفهم الإختياري وملئ حريتهم وكامل إرادتهم،فالإنسان صانع لأفعاله ولكنه
محتاج في صدورها عنه إلى ربه،وبهذه النظرة يستقيم معنى مساءلة الإنسان عن أفعاله،فكل
ما في الأمر أن الله ييسر كل مخلوق لما خلق له،سواء أكان التيسير إلى الخير أم إلى
الشر،وهذا من تمام الحرية وكمالها،ويختار الإنسان بحريته فييسر له الله تعالى طريق
ما إختاره،وعندما إختار كفار قوم نوح طريق الغواية يسرها الله لهم.
وتستمر
المعركة وتطول المناقشة بين الكافرين من قوم نوح وبينه،إذ إنهارت كل حجج الكافرين
ولم يعد لديهم ما يقال،وهنا بدءوا يخرجون عن حدود الأدب ويشتمون نبي الله،حيث قال
تعالى: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}،وهنا رد عليهم نوح بأدب الأنبياء العظيم،حيث قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي
ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ
رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}،وهكذا إستمر نوح في دعوة قومه إلى الله،ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم وعاما بعد
عام،ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه،حيث كان يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهرا،ويضرب لهم
الأمثال ويشرح لهم الآيات ويبين لهم قدرة الله في الكائنات،ولكن كلما دعاهم إلى
الله فروا منه،وكلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم وإستكبروا عن
سماع الحق،وقد إستمر نوح على هذه الحال يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما.
وكان
يلاحظ خلال ذلك الوقت أن عدد المؤمنين لا يزيد،بينما يزيد عدد الكافرين،فحزن نوح
غير أنه لم يفقد الأمل،وظل يدعو قومه ويجادلهم،وظل قومه على الكبرياء والكفر
والتبجح،وإستمر حزن نوح على قومه،لكنه لم يبلغ درجة اليأس،فظل محتفظا بالأمل طوال
950 سنة،ويبدو أن أعمار الناس قبل الطوفان كانت طويلة،وربما يكون هذا العمر الطويل
لنوح معجزة خاصة له.
وهنا جاء
يوم أوحى الله إليه،أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن،كما وأوحى الله إليه ألا يحزن
عليهم،فساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك،حيث قال تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ
لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}،وبرر نوح دعوته هذه،حيث
قال تعالى: {إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا
كَفَّارًا}،وهنا أصدر الله تعالى حكمه على الكافرين بالطوفان،وأخبر الله تعالى
عبده نوحا أنه سيصنع سفينة بعلم الله وتعليمه،وعلى مرأى منه وطبقا لتوجيهاته
ومساعدة الملائكة،كما أنه سوف يغرق الذين ظلموا مهما كانت أهميتهم أو قرابتهم لنوح،كما ونهى الله نبيه أن يخاطبه فيهم أو يتوسط لهم،حيث قال تعالى: {وَلاَ
تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ}.
وهكذا
بدأ سيدنا نوح يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة،وإنتظر بعدها سنوات ثم قطع ما زرعه
وبدأ نجارته،وقد كانت السفينة عظيمة الطول والإرتفاع والمتانة،وقد إختلف المفسرون
في حجمها ومقدار طولها وعرضها وهيئتها وعدد طبقاتها ومدة عملها والمكان الذي عملت فيه،وقد قال الفخر الرازي في هذا كله: أعلم أن
هذه المباحث لا تعجبني،لأنها أمور لا حاجة إلى معرفتها البتة،ولا يتعلق بمعرفتها
فائدة أصلا،ونحن لا نعرف عن حقيقة هذه السفينة إلا ما حدثنا الله به،وقد تجاوز
الله تعالى هذه التفصيلات التي لا أهمية لها إلى مضمون القصة ومغزاها المهم.
وهكذا
بدأ نوح يبني السفينة،ويمر عليه الكفار فيرونه منهمكا في صنعها،والجفاف سائد
وليست هناك أنهار قريبة أو بحار،فيتسألون كيف ستجري هذه السفينة إذن يا نوح ؟ هل
ستجري على الأرض ؟ أين الماء الذي يمكن أن تسبح فيه سفينتك ؟ لقد جن نوح،وترتفع
ضحكات الكافرين وتزداد سخريتهم من نوح،حيث كانوا يسخرون منه قائلين: صرت نجارا بعد
أن كنت نبيا،ويتجلى قمة الصراع في قصة نوح في هذه المساحة الزمنية،حيث إن الباطل
يسخر من الحق ويضحك عليه طويلا،متصورا أن الدنيا ملكه وأن الأمن نصيبه وأن العذاب
غير واقع،غير أن هذا كله مؤقت بموعد حلول الطوفان،وعندئذ سوف يسخر المؤمنون من
الكافرين وتكون سخريتهم هي الحق.
وإنتهى
صنع السفينة وجلس نوح ينتظر أمر الله،فأوحى الله إلى سيدنا نوح أنه إذا فار التنور فهذه علامة على بدء الطوفان،وقيل في تفسير التنور أنه بركان في المنطقة،وقيل أنه الفرن
الكائن في بيت نوح،فإذا خرج منه الماء وفار كان هذا أمرا لنوح بالحركة،وجاء اليوم
الرهيب وفار التنور وأسرع نوح يفتح سفينته ويدعو المؤمنين به،وهبط جبريل عليه
السلام إلى الأرض،كما حمل نوح إلى السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين إثنين (من كل المخلوقات).
وهكذا ساق جبريل عليه السلام أمامه من كل زوجين إثنين،لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض،وهذا معناه أن الطوفان أغرق الأرض كلها والله أعلم،فلولا ذلك ما كان هناك معنى لحمل هذه الأنواع من الحيوان والطير والله أعلم،وهنا بدأ الصعود إلى السفينة،فصعدت الحيوانات والوحوش والطيور،ثم صعد من آمن بنوح،وقد كان عدد المؤمنين قليلا،حيث قال إبن عباس،رضي الله عنهما: آمن من قوم نوح ثمانون إنسانا،ولم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد،كما وكان أحد أبنائه يخفي كفره ويبدي الإيمان أمام نوح،فلم يصعد هو الآخر،وكانت أغلبية الناس غير مؤمنة هي الأخرى.
وهكذا ساق جبريل عليه السلام أمامه من كل زوجين إثنين،لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض،وهذا معناه أن الطوفان أغرق الأرض كلها والله أعلم،فلولا ذلك ما كان هناك معنى لحمل هذه الأنواع من الحيوان والطير والله أعلم،وهنا بدأ الصعود إلى السفينة،فصعدت الحيوانات والوحوش والطيور،ثم صعد من آمن بنوح،وقد كان عدد المؤمنين قليلا،حيث قال إبن عباس،رضي الله عنهما: آمن من قوم نوح ثمانون إنسانا،ولم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد،كما وكان أحد أبنائه يخفي كفره ويبدي الإيمان أمام نوح،فلم يصعد هو الآخر،وكانت أغلبية الناس غير مؤمنة هي الأخرى.
وإرتفعت
المياه من فتحات الأرض وإنهمرت من السماء أمطارا غزيرة بكميات لم ترى مثلها الأرض،فإلتقت
أمطار السماء بمياه الأرض،وصارت ترتفع ساعة بعد ساعة،ففقدت البحار هدوئها وإنفجرت
أمواجها تجور على اليابسة وتكتسح الأرض،وهكذا غرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في
المياه،حيث إرتفعت المياه أعلى من الناس وتجاوزت قمم الأشجار وقمم الجبال،فغطت سطح
الأرض كله.
وفي
بداية الطوفان نادى نوح إبنه،حيث كان إبنه يقف بمعزل منه،ويحكي لنا المولى عز وجل
الحوار القصير الذي دار بين نوح عليه السلام وإبنه قبل أن يحول بينهما الموج فجأة،فنادى
نوح إبنه،حيث قال تعالى: {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ
الْكَافِرِينَ}،فرد الإبن عليه،حيث قال تعالى: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ
يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء}،حيث إعتقد إبن نوح أن الجبل سيعصمه من الماء،ولكن عاد نوح يخاطبه،حيث قال تعالى: {قَالَ لاَ عَاصِمَ
الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ}،وإنتهى الحوار بين نوح وإبنه،حيث
قال تعالى: {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}،وعند النظر
إلى تعبير القرآن الكريم {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ} أي أنهى الموج حوارهما
فجأة،حيث نظر نوح فلم يجد إبنه ولم يرى غير جبال الموج التي ترتفع وترفع معها
السفينة،والتي أفقدته رؤية كل شيء غير المياه،وهنا شاءت رحمة الله أن يغرق الإبن بعيدا
عن عين الأب،رحمة منه بالأب.
وإستمر
الطوفان حاملا سفينة نوح،وبعد ساعات من بدايته،كانت كل عين تطرف على الأرض قد هلكت
غرقا،ولم يعد باقيا من الحياة والأحياء غير هذا الجزء الخشبي من سفينة نوح،وهو
ينطوي على الخلاصة المؤمنة من أهل الأرض،وعلى أنواع الحيوانات والطيور التي إختيرت
بعناية.
ومن الصعب
اليوم تصور هول الطوفان أو عظمته،حيث كان شيئا مروعا يدل على قدرة الخالق،فقد كانت السفينة
تجري بهم في موج كالجبال،ويعتقد بعض علماء الجيولوجيا اليوم إن إنفصال القارات
وتشكل الأرض في صورتها الحالية،قد وقعا نتيجة طوفان قديم جبار،ثارت فيه المياه
ثورة غير مفهومة،حتى غطت سطح الجزء اليابس من الأرض،وإرتفعت فيه قيعان المحيطات
ووقع فيه ما نستطيع تسميته بالثورة الجغرافية،ولقد إستمر طوفان نوح زمنا لا نعرف
مقداره،ثم صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف عن الإمطار وإلى الأرض أن تستقر
وتبتلع الماء وإلى أخشاب السفينة أن ترسو على الجودي،وهو إسم مكان قديم يقال أنه
جبل في العراق،حيث قال تعالى في سورة (هود): {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ
وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى
الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}،وَ(غِيضَ الْمَاء) هنا
بمعنى نقص الماء وإنصرافه عائدا إلى فتحات الأرض،أما (قُضِيَ الأَمْرُ) فهي بمعنى أنه أحكم
وفرغ منه أي هلك الكافرون من قوم نوح تماما،ويقال أن الله أعقم أرحامهم أربعين سنة
قبل الطوفان،فلم يكن فيمن هلك طفل أو صغير،فيما (َاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) فهي بمعنى
رست عليه (وقيل كان ذلك يوم عاشوراء،فصامه نوح وأمر من معه بصيامه)،أما (وَقِيلَ بُعْداً
لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي هلاكا لهم،بحيث طّهر الطوفان الأرض منهم وغسلها.
وهكذا ذهب الهول بذهاب الطوفان وإنتقل الصراع من الموج إلى نفس نوح،حيث تذكر إبنه الذي غرق،ولم يكن نوح يعرف حتى هذه اللحظة أن إبنه كافر،فكان يتصور أنه مؤمن عنيد،آثر النجاة باللجوء إلى جبل،كما وكان الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم،فلم يعرف نوح حظ إبنه من الإيمان،وهنا تحركت في قلب الأب عواطف الأبوة،حيث قال تعالى في سورة (هود): {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}،وقد أراد هنا نوح أن يقول لله أن إبنه من أهله المؤمنين،فيما وعده الله بنجاة أهله المؤمنين،فقال الله سبحانه وتعالى،مطلعا نوحا على حقيقة إبنه للمرة الأولى،حيث قال تعالى: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}،وقال القرطبي وهو الرأي المأثور أن نوح كان يظن أن إبنه كان مؤمنا،ولم يك نوح ليقول لربه إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي،إلا وذلك عنده كذلك،إذ محال أن يسأل هلاك الكفار ثم يسأل في إنجاء بعضهم،وقد كان إبنه يسرّ الكفر ويظهر الإيمان،فأخبر الله تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيب،أي علمت من حال إبنك ما لم تعلمه أنت،وهنا نلاحظ أن الله يعظ سيدنا نوح أن يكون من الجاهلين،كما ويريد أن يبرئه من تصور أن يكون إبنه مؤمنا،ثم يهلك مع الكافرين.
وهكذا ذهب الهول بذهاب الطوفان وإنتقل الصراع من الموج إلى نفس نوح،حيث تذكر إبنه الذي غرق،ولم يكن نوح يعرف حتى هذه اللحظة أن إبنه كافر،فكان يتصور أنه مؤمن عنيد،آثر النجاة باللجوء إلى جبل،كما وكان الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم،فلم يعرف نوح حظ إبنه من الإيمان،وهنا تحركت في قلب الأب عواطف الأبوة،حيث قال تعالى في سورة (هود): {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}،وقد أراد هنا نوح أن يقول لله أن إبنه من أهله المؤمنين،فيما وعده الله بنجاة أهله المؤمنين،فقال الله سبحانه وتعالى،مطلعا نوحا على حقيقة إبنه للمرة الأولى،حيث قال تعالى: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}،وقال القرطبي وهو الرأي المأثور أن نوح كان يظن أن إبنه كان مؤمنا،ولم يك نوح ليقول لربه إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي،إلا وذلك عنده كذلك،إذ محال أن يسأل هلاك الكفار ثم يسأل في إنجاء بعضهم،وقد كان إبنه يسرّ الكفر ويظهر الإيمان،فأخبر الله تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيب،أي علمت من حال إبنك ما لم تعلمه أنت،وهنا نلاحظ أن الله يعظ سيدنا نوح أن يكون من الجاهلين،كما ويريد أن يبرئه من تصور أن يكون إبنه مؤمنا،ثم يهلك مع الكافرين.
وثمة
درس مهم تنطوي عليه الآيات الكريمة التي تحكي قصة نوح وإبنه،حيث أراد الله سبحانه وتعالى
أن يقول لنبيه الكريم أن إبنه ليس من أهله،لأنه لم يؤمن بالله،فليس الدم هو الصلة
الحقيقية بين الناس،فإبن النبي هو إبنه في العقيدة وهو من يتبع الله والنبي،وليس إبنه
من يكفر به ولو كان من صلبه،وهنا ينبغي أن يتبرأ المؤمن من غير المؤمن،كما وينبغي أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب،فلا وجود لإعتبارات الدم أو الجنس
أو اللون أو الأرض.
وهكذا إستغفر
نوح ربه وتاب إليه فرحمه الله وأمره أن يهبط من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته،وهبط
نوح من سفينته،وأطلق سراح الطيور والحيونات فتفرقت في الأرض،ثم نزل المؤمنون بعد ذلك،ولا
يحكي لنا القرآن الكريم قصة من آمن مع نوح بعد نجاتهم من الطوفان،وأخير قيل أن سيدنا نوح دفن في مسجد الكوفة وقيل في الجبل الأحمر وقيل في المسجد
الحرام والله أعلم.