أرسل سيدنا هود عليه السلام إلى أرض اليمن وتحديدا إلى مكان
يسمى الأحقاف،حيث كان يقيم قوم عاد الأولى الذين يرجع نسبهم إلى نوح،وقد كانوا يسكنون
البيوت ذوات الأعمدة الضخمة،حيث قال تعالى : {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ
يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ}ويبنون القصور العالية والحصون المرتفعة ويتفاخرون
ببنائها،حيث قال تعالى : {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ
مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} كما وكانوا يملكون حضارة عظيمة لأنهم برعوا في الزراعة
بسبب توفر الماء العذب والغزير،وهكذا كثر لديهم الخير والأموال والأنعام حتى أصبحت
منطقتهم حقولا خصبة خضراء وحدائق زاهرة وبساتين وعيونًا كثيرة،كما وأعطى الله تعالى
أهل هذه القبيلة بنية جسدية تختلف عن سائر البشر،فكانوا طوال الأجسام أقوياء،بحيث إذا حاربوا
قوما أو قاتلوهم هزموهم وبطشوا بهم بطشًا شديدا،حيث قال تعالى : {وَإِذَا بَطَشْتُمْ
بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ
بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}.
وبرغم هذه النعم الكبيرة والخيرات الكثيرة التي أعطاهم الله إياها،لم يشكروا
الله تعالى عليها بل أشركوا معه غيره،فعبدوا الأصنام وكانوا أول من عبد الأصنام بعد
الطوفان كما وإرتكبوا المعاصي والآثام وأفسدوا في الأرض،فأرسل الله تعالى لهم هودا عليه السلام
ليهديهم إلى الطريق المستقيم وينهاهم عن ضلالهم ويأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له
ويخبرهم بأن الله سبحانه هو المستحق للشكر على ما وهبهم من قوة وغنى ونعم،حيث قال تعالى
: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ
مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} فتسألوا : ومن أنت حتى تقول لنا مثل هذا
الكلام ؟ فرد هود عليه السلام،حيث قال تعالى : {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} فرد عليه قومه بغلظة وإستكبار،حيث قال تعالى : {قَالَ الْمَلأُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ
مِنَ الْكَاذِبِينَ} فقال لهم هود،حيث قال تعالى : {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ
وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا
لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} فإستكبر قومه وأنكروا عبادة الله وقالوا له،حيث قال تعالى
: {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا
عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} كما وقالوا له : ما الحالة التي أنت
فيها،إلاّ أن آلهتنا قد غضبت عليك فأصابك جنون في عقلك فذلك الذي أنت فيه،ولكن
سيدنا هود عليه السلام لم ييأس وواصل دعوة قومه إلى طريق الحق،فأخذ يذكرهم بنعم الله
تعالى عليهم لعلهم يتوبون إلى الله ويستغفرونه،حيث قال تعالى : {وَاتَّقُوا الَّذِي
أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}
ثم قال تعالى : {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا
مُجْرِمِينَ}.
وهكذا لم يجد هود عليه السلام في قومه إلا قلوبا ميتة متحجرة متمسكة بغيها
وضلالها وإصرارها على عبادة الأصنام،إذ قابلوا نصحه وإرشاده لهم بالتطاول عليه والسخرية
منه،حيث قال تعالى : {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ
إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ
فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي
وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ
إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ
رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} فإستكبروا وتفاخروا بقوتهم وقالوا لهود،حيث قال
تعالى : {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} وأخذوا يسخرون منه ويستعجلون العذاب والعقوبة
في سخرية وإستهزاء،حيث قال تعالى : {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
فرد عليهم هود عليه السلام،حيث قال تعالى : {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ
رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ
مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}
وهنا بدأ عذاب الله لقوم عاد بأن أرسل عليهم حرا شديدا جفَّت معه الآبار والأنهار
وماتت معه الزرع والثمار وإنقطع المطر عنهم مدة طويلة،ثم جاء سحاب عظيم فلما رأوه إستبشروا
به وفرحوا وظنوا أنه سيمطر ماء وقالوا،حيث قال تعالى : {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}
فلقد ظنوا أن تلك السحب ستأتي لهم بالخير وتروي عطشهم وتسقي إبلهم وخيولهم وزرعهم وبساتينهم،ولكنها
كانت تحمل لهم العذاب والفناء،فجاءتهم ريح شديدة إستمرت سبع ليالٍ وثمانية أيام دائمة
دون إنقطاع،دمرت خلالها كل شيء أمامها حتى أهلكتهم،حيث قال تعالى : {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ
أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ
كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} وهنا نجَّى الله تعالى هودا ومن آمنوا
معه،حيث قال تعالى : {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا
دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} وسار هود عليه
السلام ومن معه من المؤمنين إلى مكان آخر يعبدون الله فيه ويسبحونه،ويقال أن سيدنا
هود عاش 464 سنة ودفن شرقي حضرموت (اليمن).
وأخيرا عن إبن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما
فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم،فمرت بأهل البادية
فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض،فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد (الريح
وما فيها) قالوا هذا عارض ممطرنا،فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل
الحاضرة.
وما
رواه مسلم في صحيحه حيث قال : عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : اللّهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت
به،وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به،قالت: وإذا غيبت السماء تغير لونه
وخرج ودخل وأقبل وأدبر،فإذا أمطرت سرى عنه،فعرفت ذلك عائشة فسألت،فقال: لعله يا عائشة
كما قال قوم عاد،حيث قال تعالى : {فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا}.
وعن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا قط حتى أرى منه لهواته،إنما كان يبتسم وقالت: كان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك
في وجهه،قالت يا رسول الله : إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر،وأراك
إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال يا عائشة : ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ! فقد عذب قوم نوح بالريح،وقد
رأى قوم عاد العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا.