المنهج التاريخي
وهو المنهج الأكثر إستخداما أو على الأقل
كان كذلك حتى الثورة النووية،وهذا المنهج يعتمد على المقارنة والتجربة أيضا ولكنه
لا يعتبرهما عاملين إجباريين في البحث الإستراتيجي،حيث أن الجنرال البروسي شارنهورست
وفي نهاية القرن الثامن عشر فضّل العمل على أمثلة قليلة ولكن على أن تتم دراستها
بعمق،أما الجنرال هوبير بونال وفي نهاية القرن التاسع عشر وضع منهجا يتألف أو يقوم
على مثال واحد بهدف الوصول لنتائج إستراتيجية أكثر منها تكتيكية،وبشكل عام فإن
المنهج التاريخي كان يهدف من خلال مقارنة التجارب التاريخية المتعددة الوصول إلى
وضع قوانين أو قواعد محددة،ولقد عرف هذا المنهج العديد من الصعوبات أو عدم الوصول
إلى القناعة التامة به كمنهج متكامل،ومن هذه الصعوبات هي الطابع غير الكامل أو غير
الأكيد للمصادر (خاصة القديمة منها).
المنهج الواقعي
تحت هذا الإسم تختفي الطريقة المادية
القديمة التي تتأسس على وسائل موجودة في بيئة محددة أكثر مما تتأسس على معاينة
موروثة من الماضي والتي ليس لديها الكثير لتقدمه لنا،فالكثير من الدروس التي
أستفيد منها في حروب ماضية لا يمكن الإستفادة منها الآن كما أنه لا يمكن إستخدامها،ونشير
هنا أنه عندما نقول منهج مادي فإن هذه التسمية لا تقتصر على جانب مادي مطلق،لأن
العوامل الإنسانية يبقى لها دور بالغ الأهمية،كما أن إستطاعة الوسائل المادية يجب
أن تترافق وتتوافق مع الطريقة التي نريد إستخدام هذه الوسائل فيها.
وفي الواقع فإن المنهج الواقعي سوف
يعمل على وضع الإستراتيجيات وفق عمل وسير الوسائل الممكنة،وهو ينقسم إلى فرعين
هما:
1-المنهج الموضوعي الذي يرتبط بقدرة الوسائل المتاحة.
2-المنهج الذاتي (الشخصي) الذي يرتبط بالمذاهب المستخدمة،والتي يمكن أن لا تتطابق مع القدرات القصوى للوسائل المتاحة أو أن لا تتأقلم نهائيا معها.
1-المنهج الموضوعي الذي يرتبط بقدرة الوسائل المتاحة.
2-المنهج الذاتي (الشخصي) الذي يرتبط بالمذاهب المستخدمة،والتي يمكن أن لا تتطابق مع القدرات القصوى للوسائل المتاحة أو أن لا تتأقلم نهائيا معها.
المنهج
العقلاني (العلمي)
يقوم هذا
المنهج على الإنطلاق من أولوية وسائل الإستراتيجية حتى الوصول ومن خلال البراهين
إلى القواعد التي ستتبع من أجل تحديد الأجزاء الأكثر أهمية والتي يمكن إستغلاالها
بشكل كبير،حيث إن الخطوات التي يتبعها هذا المنهج ليست مؤسسة على الخبرة أو
التجربة كما في المنهج التاريخي وليس مؤسسة على الوسائل كما في المنهج الواقعي بل هي مؤسسة على المنطق الخالص.
وقد أستخدم
هذا المنهج منذ زمن بعيد،حيث ظهر في البداية بشكل أو هيئة هندسية لا سيما عند مؤسسي
الفكر التكتيكي الحديث إن كان في الإستراتيجيات البرية أو البحرية،فالمارشال Puységur إستند بشكل واضح على
علم الهندسة،حيث يقول في كتابه (فن الحرب) أن قاعدة وأساس كل فن الحرب هي في القدرة
على تشكيل أنظمة جيدة للمعارك وجعلها تتحرك وتتفاعل ضمن قواعد كاملة أو الأكثر
كمالا في الحركة،وهذا ما يمكن إستخراج مبادئه من علم الهندسة.
ويبدو أن
معظم إذا لم نقل جميع الكتاب الإستراتيجيين إستندوا على هذه المبادئ من أجل تقديم تعريف
القواعد والأنظمة بشكل ناجز أو كامل،حيث أنه يمكن تطبيقها في جميع الظروف من غير
العودة لوضع الخصم أو إعتباراته الخاصة أو حتى إعطاء إعتبارات خاصة للميدان،كما إن
المنهج العقلاني المستند إلى العلوم الهندسية تحول إلى مخططات إستراتيجية عند
الكثيرين أثناء المعارك وحروب الإستقلال،أما اليوم فقد إختفى هذا الإعجاب الكبير
بهذا المنهج أو الطريقة،مع العلم أن المنهج العلمي عرف تطورا هاما على مستوى
العمليات والتكتيك.
أخيرا ومع
بداية القرن العشرين بدأت الكثير من الجيوش البحث عن تطبيقات أكثر خفة وسرعة،وأثناء
الحرب العالمية الثانية وضع الأمريكيون والبريطانيون مجموعات علمية مكلفة بتحسين
توظيف عمل الرادارات والوسائل المضادة للغواصات،حيث أصبح البحث العلمي في العمليات
شيئا دارجا ومفتوحا أمام التحليلات المنهجية.
المنهج
الجغرافي
إستطاعت
العلوم الجغرافية العسكرية أن تؤسس منهجا تقدم وتدرج بشكل مستمر حتى أصبح حقلا
علميا كاملا ومطلوبا بشكل كبير وهو (الجيوإستراتيجية)،وهذا المفهوم قديم جدا وأكثر
مما نعتقد،حيث ظهر مع (الجيوتكتيك) والذي لم يعرف نفس الحظ تحت قيادة الجنرال
الإيطالي Durando Giacomo في عام 1846،لكن هذا
المنهج لم يتأسس بشكل حقيقي إلا بنهاية القرن التاسع عشر،وبينما المنهج التاريخي
والمنهج الواقعي يهتم كليهما بالأداة أي بالقوى المسلحة إلا أن المنهج الجغرافي
يهتم بالوسط أو البيئة التي ستعمل فيها الأداة،حيث أن الجغرافية العسكرية تهتم
بصفات الأرض والميدان أما الجيوإستراتيجية فتهتم وتحلل المسافات وهذا عامل رئيسي
في الحرب الحديثة.
المنهج
الثقافي
يعتبر هذا المنهج
من المناهج التي وضعت حديثا،فمفهوم الثقافة الإستراتيجية لم يوضع ويفرض إلا مع
نهاية السبعينات من القرن العشرين،حيث إستخدمه بشكل واضح أكثر من غيره البروفيسور
الأمريكي في العلاقات الدولية Snyder Jack وذلك في كتاب بعنوان (The Soviet Strategic Culture) والصادر في عام
1977،ويعتمد المنهج الثقافي على مجموعة من العلوم وأهمها السيكولوجية والأتنولوجية
والسيسيولوجية،كما أنه يبحث عن إقامة ثقافات إستراتيجية يمكن تعريفها على
أنها (مجموعة من المواقف والمعتقدات داخل معهد أو مؤسسة عسكرية فيما يتعلق بالهدف
السياسي للحرب والطريقة الإستراتيجية والعملاتية الأكثر تأثيرا والتي يمكن الوصول
إليها)،ويقصد بهذا التعريف وكما هو متعارف عليه بين الكتاب الإستراتيجيين
الفرنسيين،بأنه تحديد في أية أجواء ومناخات تجذرت المحاور الكبرى للإستراتيجية داخل
الثقافة الوطنية بشكل أساسي،لأن هذه الثقافات الإستراتيجية الوطنية يمكن أن تترافق
أو تواكب ثقافة إستراتيجية تعود لفرد أو جماعة،بحيث أن كل جيش يستطيع أن يقول أن له ثقافته
الإستراتيجية التي يمتلكها،ففي الولايات المتحدة الأمريكية الجيش يعطي مكانة خاصة
للإستراتيجي Jomini والقوى البحرية تعطي هذه المكانة للإستراتيجي البحري
Mahan أما القوى الجوية فتعطي هذه المكانة للإستراتيجي Douhet وهو منظر الحرب
الجوية الإيطالية،ومن هنا نلاحظ أن مفهوم الثقافة الإستراتيجية إستلهم الكثير من
الثقافة السياسية التي جاء بها الكتاب السياسيون الأمريكان وخاصة في سنوات
الستينات.
المنهج
التركيبي
يتكون هذا المنهج
من مجموع المناهج السابقة،ولكن لابد من القول هنا أنه من الصعب العثور على كتابات
قديمة أو كلاسيكية إستخدمت هذه المناهج مع بعضها البعض،حيث تشير بعض الدراسات التي
أرّخت علم الإستراتيجية على أن الأميرال Castex في كتابه (نظريات
إستراتيجية) إقترب كثيرا من إستخدام المنهج التركيبي،أما بعد الأميرال Castex فقد جاء Bernard Brodie والذي إستخدم المناهج
التاريخية والواقعية معا وخاصة في أعماله الأولى حول الإستراتيجية البحرية،ولكنه
لم يعطي مساحة أو مكانة واضحة للمنهج الجغرافي،كما أنه لم يعرف أيضا قيمة المنهج
الثقافي إلا بشكل متأخر.
المنهج
الفلسفي
وهو الجزء
الأرقى والأصعب في علم الإستراتيجية،ويعتبر الصينيون أول من إستخدم هذا المنهج أو
الطريقة،وفيما أن الفكر الإستراتيجي الغربي إمتلك قاعدة تاريخية إلا أن الفكر
الإستراتيجي عند الصيني Zi Sun ومن أتى بعده
كانت ترتكز على أسس فلسفية،حيث أراد الإستراتيجيون الصينيون تطبيق المنهج الفلسفي
والحكمة في مجال الحرب كما في المجالات الأخرى من الحياة الإجتماعية.
والمنهج
الفلسفي وكما يقول Clausewitz يهتم بجوهر الحرب أو بجزء منها كما يقول Corbett و Rosinski في عملهما عن الحرب
البحرية،أما اليوم فيهتم هذا المنهج بالعلوم الإستراتيجية كعلوم معرفية ويساند هذا
المفهوم الإستراتيجي Poirier
،أما الصفة المشتركة بين هؤولاء هي ما نستطيع تسميته بالمتطلب النظري،وذلك بمعنى
الإرادة في تجاوز الاشياء كما هي أو تجاوز الطبيعة المادية للأشياء من أجل فهم
طبيعتها الفلسفية والمعرفية،أما الهدف النهائي فهو الوصول إلى نظرية موحدة بالنسبة
للعالم الغربي،ويعتبره Clausewitz أنه النموذج الذي لا يمكن تجاوزه إن كان فيما يتعلق
بعمق أفكاره أو من خلال قلقه الدائم من أجل ربط التطورات العملياتية بالنظرية.