قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الطبقة المتوسطة

 الطبقة المتوسطة
الطبقة المتوسطة

الطبقة المتوسطة هي طبقة إجتماعية جديدة تستند في قوتها إلى المهارات المكتسبة من خلال التعليم الحديث،وقد ظهرت هذه الطبقة في الإمدادات الوسطى للبناء الإجتماعي التقليدي،حيث يهدف أفراد هذه الطبقة إلى تقديم أنفسهم من خلال مهاراتهم ومواهبهم المهنية أكثر منه من خلال الثروة أو العلاقات الشخصية وهما المصدران اللذان يفتقدهما أغلب أفراد هذه الطبقة،وهذه الطبقة ليست طبقة وسطى برجوازية،طالما أن أفرادها يعيشون بما يحصلون عليه من أجر ومن أتعاب لأنشطتهم المهنية أكثر مما يعيشون من حيازة الممتلكات أو إدارة الأعمال،وبالرغم من أنها ليست طبقة من المثقفين إلا أنها يمكن أن توصف على نحو سليم بأنها أنتلجنتسيا وذلك عندما تكون هي النخبة المثقفة في المجتمع،وعلى عكس الأفراد المتعلمين في الطبقة الحاكمة والذين يتمتعون بالمزايا المزدوجة المتمثلة في الثروة الطائلة والسلطة السياسية،فإن أفراد الطبقة الوسطى لا يمتلكون ما يستندون إليه أساسا سوى التعليم الحديث المتخصص والذي يرتبط بالتحديث وبالتنمية الإقتصادية والتصنيع.

دور الطبقة المتوسطة في السياسة وأهم الباحثين الذين تناولوها

لقد تمكنت شرائح هامة من الطبقة المتوسطة من الإستيلاء على الحكم في عديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،حيث بدأت بتنفيذ برامجها للتحديث أو التنمية،لهذا وفي فترة مبكرة نسبيا تفاءل كثير من الدارسين حول الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الطبقة في تطوير بلدانها،أما في المجتمعات التي لا تزال مبعدة فيها عن الميدان السياسي تظل الطبقة الوسطى المهنية قوة متنامية ومزدهرة ترنو بإستمرار إلى المشاركة في حكم بلادها.

وتتمثل الطبقة المتوسطة في العالم الثالث بالعسكريين والبيروقراطيين،فالعسكريين مثلوا أهم فئات هذه الطبقة لأنهم كانوا أكثر ترابطا من الفئات الأخرى،كما أنهم نجحوا في حشد الدعم الجماهيري إعتمدا على الجيش بإعتباره أقوى أدواتها،أما البيروقراطيين (خاصة) فهم الذين شكلوا النخبة الحاكمة فيها،كما وأخذوا يضطلعون وعلى نطاق واسع بدور أساسي وحاسم في الحياة السياسية في هذه البلدان المتخلفة.

وقد نظر إلى هذه الطبقة المتوسطة كوسائط للتحديث والتنمية في مجتمعاتها،بل لقد ذهب البعض إلى أن تاريخ البلدان المتخلفة ينظر إليه بإعتباره تاريخ نهوض الطبقة المتوسطة،حيث كانت تلك الشرائح من الطبقة المتوسطة موضوعا لإسهامات عديدة من دارسي سياسات الشرق الأوسط على وجه الخصوص منذ الخمسينات،فقد تحدث موروبرجر عن الطبقة الوسطى المستقلة وهالبرن عن الطبقة المهنية الجديدة،كما أطلق عليها جاك بيرك فقط (الأنتلجنتسيا) وأسماها بيل وليدن الطبقة الوسطى المهنية وأطلق عليها أنور عبد الملك تعبير الطبقة الجديدة.

وقد كان مانفريد هالبرن أبرز من أرتبط إسمهم بالدفاع عن هذه الطبقة المتوسطة وملامحها الجديدة بين الدارسين الغربيين،كما دافع عن دورها الحاسم في التغيير الإجتماعي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،حيث أنه طرح منذ ما يقارب عشرين عاما مفهوم الطبقة الوسطى الجديدة بإعتبارها تمثل القوة الثورية الرئيسية وبالتالي القوة المحدثة للإستقرار في دول هذه المنطقة،وقد صادق هنتينجتون على هذه الفكرة ورأى أنها لا تنطبق فقط على الشرق الأوسط وإنما تتعداها إلى أغلب المناطق التي تمر بعمليات تحديث سريعة.

وهذه الطبقة مثلها مثل كل القوى الإجتماعية في الشرق الأوسط تتمزق بفعل إنقسماتها وتوتراتها الداخلية،وهي إنقسامات تنجم عن عوامل القرابة والعرق والدين والمنصب والأصل الإجتماعي والأصل الجغرافي بين الحضر والريف وكذلك عن الخلفية الدراسية،وطبقا لهالبرن هناك ثلاث مظاهر للصراع داخل الطبقة المتوسطة الجديدة وهي:

1- الصراع بين العناصر التي تتولى المسؤوليات بالفعل وتحتل المناصب وتحصل على الأجور والمزايا وهي عناصر قليلة وبين الغالبية التي تحمل المؤهلات العلمية والقيم التحديثية ولكنها لا تحصل على الوظائف التي تتناسب مع مهاراتها أو قيمها أو تعمل بالفعل ولكن في خدمة النظم المحافظة على الوضع القائم والتي تنكر على تلك المجموعة حقها في المكانة والقوة،ويعزى هذا الإختلاف في جانب هام منه إلى الأعداد الكبيرة من أصحاب الشهادات العليا والذي لا يتناسب مع مجمل الأوضاع الإجتماعية والثقافية في البلاد المتخلفة ولكنه يشكل الأساس المتين لهذه الطبقة المتوسطة الجديدة.

2- التمييز الذي يطرحه هالبرن بين العناصر الأحدث والعناصر الأقدم في هذه الطبقة،حيث أنه في هذا الوضع قد يظل الرجال في سن الأربعين حاملين فجاجة الشباب طالما أنهم لم يتمرسوا بالمناصب والمكانة والقوة ولكنهم لا يحملون براءة مرحلة الشباب،وفي هذا السياق يركز هالبرن على صراع الأجيال داخل تلك الطبقة ويشير إلى ما يكتنف وصول عناصر من هذه الطبقة إلى السلطة في سن مبكرة (الثلاثينات والأربيعنات) من تأثيرات ضارة على الأجيال التالية لهم،وخصوصا من زاوية حرمان تلك الأجيال من فرصتها في ممارسة السلطة والمكانة مما يجعلهم أكثر قابلية لتفريخ عناصر التطرف والراديكالية.

3- تكوين هذه الطبقة من عناصر جديدة لا يستند إلى مكانة موروثة أو إلى فرص متاحة وإنما إلى تجمع لأفراد منفصلين،يجعل الخيارات مفتوحة أمام هذه الطبقة سواء إزاء الديمقراطية أو السلطوية أو الشمولية.

ولا شك في أن عاموس برلموتر قدم أقسى نقد لمفهوم الطبقة المتوسطة الجديدة عموما ولصياغة هالبرن لهذا المفهوم على وجه الخصوص،ففي حين أن برلموتر لم ينكر حقيقة أن ما يسمى بالطبقة المتوسطة الجديدة قد أصبحت المحور الرئيس للقوة السياسية والإقتصادية وللهيبة الإجتماعية في الشرق الأوسط،إلا أنه رفض إعتبارها طبقة جديدة أو المبالغة في فعاليتها،كما أنه رفض على وجه الخصوص الدور الإيجابي الذي ينسب للجيش سواء إزاء الطبقة بالذات أو إزاء المجتمع ككل.

كما وقد إهتم ماركس بالطبقة المتوسطة،حيث شكل مصير الطبقات الوسطى إحدى نقاط النقد الهامة للتحليل الماركسي لتطور الطبقات في المجتمعات الرأسمالية الحديثة،ففي حين تنبأ ماركس بأن الهوة الإجتماعية بين الطبقتين الرئيستين (البرجوازية والبروليتاريا) سوف تزداد إتساعا وأن الشرائح الوسطى من السكان في تلك المجتمعات سوف تختفي في غمار هذه العملية،إلا أن الهوة بين البرجوازية والبروليتاريا لم تتسع بالشكل أو الآثار التي تصورها ماركس،كما أن الشرائح الوسطى أو الطبقة المتوسطة بقيت وتدعمت،وفي الواقع فإن العديد من شرائح الطبقة المتوسطة مثل صغار المنتجين والحرفيين والعمال اليدويين وصغار الصناع والمهنيين الذين يعملون لحسابهم (وهم الذين كان يشير إليهم ماركس) تم إمتصاصهم فعلا كمستخدمين بالأجر في المشروعات الرأسمالية الكبيرة،ولكن النمو الإقتصادي واسع النطاق وزيادة الحاجة إلى خدمات إجتماعية متعددة وحديثة أديا إلى تبلور الطبقة المتوسطة الجديدة في المجتمعات الرأسمالية بما في ذلك الموظفين الكتابيين والمشرفين والمديرين والفنيين والعلماء وكثير من أولئك الذين يعملون في توفير هذه الخدمة أو تلك،ولقد كان لوجود هذه الطبقات حافزا على الإهتمام من جديد بعنصر الهيبة الإجتماعية القائم على المهنة والإستهلاك وأسلوب الحياة كعنصر للتدرج الطبقي وهو العنصر الذي أولاه ماكس فيبر أهمية كبيرة في محاولته لمواجهة النظرية الماركسية.

على أن ظهور وإنتشار الطبقات المتوسطة في المجتمعات المتخلفة إستند إلى عوامل أخرى ترتبط بظروف تلك المجتعات،والتي تتبدى في أساسا في الضآلة النسبية للطبقتين المرتبطتين بالإنتاج الحديث وهما البروليتاريا الصناعية والبرجوازية،كما وتعددت التصنيفات سواء من داخل الفكر المركسي أو من خارجه لهذه الطبقات المتوسطة،حيث ضمنتها عناصر عديدة تشتمل ليس فقط على الموظفين وأصحاب المهن الحرة مثل (المهندسين والأطباء والمحاميين والمحاسبين وغيرهم) والقسم الأساسي من الضباط والطلبة وإنما أيضا الفئات التي لم تصبح بروليتاريا بعد والعناصر نصف البروليتاريا والحرفيين وصغار التجار وصغار الصناع أي البروجوازية الصغيرة القاطنة في المدن وكذلك الفئات الفقيرة فيها،كما شدد بعض الباحثين على حقيقة عدم التجانس داخل الطبقة المتوسطة في البلاد المتخلفة،فهناك طبقة متوسطة تقليدية وطبقة متوسطة حديثة وهناك طبقة متوسطة تجارية وطبقة متوسطة مثقفة وطبقة متوسطة مهنية وطبقة متوسطة إدارية وطبقة متوسطة للأقليات والأجانب وهناك طبقة متوسطة حضرية وطبقة متوسطة ريفية.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart