قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تاريخ الديمقراطية ونشأتها في حضارة وادي النيل

تاريخ الديمقراطية ونشأتها في حضارة وادي النيل
الديمقراطية في حضارة وادي النيل

تعد الحضارة المصرية القديمة من أفضل الحضارات التي تمتعت بقدر كبير من الرقي على كافة الأصعدة،كما وقد تزامنت مع حضارة بلاد الرافدين في فتراتها المتأخرة،ويعتقد علماء التاريخ القديم أن سلالة شعوب وحاكمي هذه الحضارة قد إنحدرت من أعالي النيل أي من أرض السودان ثم تألفوا وشكلوا مجتمعات بدائية تطورت مع الزمن إلى مجتمع حضاري،وقد تميزت هذه الحضارة بإتقانها لعدة علوم مثل الفلك والرياضيات والهندسة المعمارية والطب والعلوم الميتافيزيقية (علوم ما وراء الطبيعة كالسحر)،كما أنه كان لها السبق في صناعة ورق البردي الذي إستفادوا منه في كتابة مدوناتهم ونشر العلوم التي برعوا فيها،ولقد تنوعت أنماط الحكم في الحضارة المصرية عبر التاريخ،حيث كانت على مراحل عدة بين مد وجزر في إثبات نظامها السياسي وذلك من خلال الآتي:

الدولة الفرعونية القديمة

لقد تطورت الحضارة المصرية وتبلورت مبادئ (حكومة مركزية) حوالي عام 3200 ق.م،حيث قام الملك مينا بتوحيد مملكتي الشمال والجنوب المصريتين،كما وقد شهد هذا العصر نهضة شاملة في شتى مجالات الحياة،حيث توصل المصريون إلى الكتابة الهيروغليفية (النقش المقدس) كما وتأسست ممفيس كأول عاصمة للبلاد،وقد إهتم الملوك في هذا الوقت بتأمين الحدود وتنشيط التجارة مع الحضارات المجاورة،وهذا الأمر حقق تواصلا كبيرا وإطلاعا واسعا على أنظمة الحكم والحركة السياسية التي شهدتها المعمورة في ذلك الوقت،مما مهد للشعب المصري لأن يتحول إلى مفهوم الدولة والذي يتكون من سلطة سياسية ترادفها سلطة دينية.

وقد كان نظام الحكم في هذه الفترة ملكيا مطلقا،حيث إبتدأ الملوك بحكم الشعب وفق نظرية أنهم أبناء الآلهة ومن ثم تطور الأمر إلى أن ينصب فرعون نفسه إلها توجب له الطاعة والعبادة وتقدم له القرابين وأنه مصدر التشريع الأعلى والوحيد،كما وقد لعب الكهنة دورا فاعلا في إقناع شعوبهم الساذجة بتلك الأفكار،مستغلين بذلك معرفتهم بعلوم الكيمياء والفيزياء وتوظيفها في بعض التصاميم المعمارية التي تقوم على خواص المادة الفيزيائية،ثم تعمدوا إيهام الشعب المصري في أن الظواهر التي ترافق الترنيمات التي كانوا يحدثونها في بعض الطقوس عند دخولهم المعبد إنما هي من الآلهة المتجسدة بشخص فرعون،ولكنها كانت في الأصل خواص بعض المواد الداخلة في تصميم المعابد،كما أنهم أقنعوا الناس بتفسيرات للظواهر الطبيعية بأنها رضا من الآلهة أو غضب منها،ومثال ذلك فيضان نهر النيل السنوي في الصيف الذي كان يحدث لأسباب طبيعية وكان الكهنة على علم بها من خلال معرفتهم بالعلوم التطبيقية والفلك والسحر والتنجيم وبعض خصائص النفس الإنسانية،ومن هنا يلاحظ أن الكهان هم الذين مهدوا لفكرة ألوهية ملوك مصر بل نقلوها إلى حيز التطبيق من أجل أن يقوم نظام سياسي للحكم يقوم على الطاعة المطلقة لشخص الفرعون على إعتبار أنه الإله الذي بيده مصائر وأرزاق المصريين،كما أن الكاهن كان هو المتصرف في إرادة الفرعون وهو من تقع عليه مسؤولية تنفيذ تلك الرغبات بصيغة تحفظ وتصون أطماع ومصالح طبقته في السيطرة على الشعوب وأرزاقها،وقد سلك الكهان هذا الإتجاه للحيلولة دون قيام نظام سياسي يحتم على الملوك المشاركة في الحكم كما كان معمول به في الحضارات المجاورة،وأيضا ليقطعوا الطريق عن طبقة الأشراف في التطلع إلى العرش ومحاولة السيطرة على الحكم.

ولقد تميزت هذه الحقبة بأن الحكم فيها كان ينتقل بالوراثة دون أن يتشارك الفرعون مع عامة الناس في إتخاذ القرارات المهمة أو تشريع القوانين،بل كانت كلمته هي القانون الشرعي والوحيد،إلا أنه في بعض الأحيان كان يستأنس بآراء حاشيته المقربين من القادة الكبار في الجيش والوزراء وكبار الموظفين الذين كانو غالبا من أقارب فرعون وأبناء سلالته،بالإضافة إلى أن الشعب المصري كان مجبول على الطاعة بل ويتسابق للفوز برضا الفرعون،وهذا ما فعله جلّهم عند بناء الأهرامات اولتي هي في إعتقادهم منازل الفراعنة في الحياة الأخرى،ولهذا جندوا أنفسهم طوعا للمشاركة في بناء هذه الأهرامات لإيمانهم بأن هذا العمل مقدس ويجلب معه الثواب الجزيل من قبل الفرعون في هذه الحياة والحياة الأخرى.

الدولة الفرعونية الوسطى

إبتدأت الدولة الفرعونية الوسطى سنة 2200 ق.م وذلك حين إنفلت زمام الحكم من الفرعون الحاكم،حتى تمكن (منتوحتب الثاني) من توحيد البلاد مرة ثانية حيث كان أمير طيبة وذلك في سنة 2065 ق.م،وقد قام بتأسيس حكومة قوية نجحت في توطيد النظام وإستتباب الأمن مما ساعد على إنتعاش البلاد إقتصاديا وتقدم الفنون والعمارة،وبعد ذلك وفي عام 2000 ق.م تولى الحكم (أمنمحات الأول) وقد أعتبر رجل عظيم لأنه كان له الفضل الأكبر في بناء النهضة التي ظهرت أيام الدولة الوسطى،والتي من خلالها حاز ملوك وملكات الأسرة الثانية عشرة على شهرة عالمية في ميادين السياسة والحرب والثقافة والحضارة والدين،وذلك مثل:

- (أحمس) الذي أعتبر بطل التحرير.
- (أمنحوتب الأول) الذي لقب بالعادل لأنه أصدر قانون يمنع السخرة ويضع المعايير العادلة للأجور والحوافز.
- (تحتمس الأول) وهو المحارب الذي وسع الحدود المصرية شمالا وجنوبا،كما أنه نشر التعليم وتوسع في فتح المناجم وصناعة المعادن.
- (تحتمس الثالث) وهو الإمبراطور صاحب العبقرية العسكرية الفذة وأول فاتح عظيم في تاريخ العالم.
- (تحتمس الرابع) وهو الدبلوماسي الذي كان أول من إهتم بتدوين وتسجيل المعاهدات الدولية.
- (أمنحوتب الثالث) والذي كان أغنى ملك في العالم القديم،وهو الذي فتح المدارس (بيوت الحياة) لنشر التعليم والفنون التشكيلية والتطبيقية.
- (إخناتون) وهو أول الموحدين وأول ملك في تاريخ الإنسانية نادى بوحدانية الله خالق كل شيء.
- (توت عنخ آمون) الذي حاز على شهرة كبيرة في العالم المعاصر.

أما من أشهر ملكات الأسرة الثانية،الملكة (آياح حتب) زوجة الملك (سقنن رع) والملكة (أحمس نفرتارى) زوجة (أحمس الأول) والملكة ( تى) بنت الشعب وزوجة (أمنحوتب الثالث) وأم (إخناتون) والملكة (نفرتيتي) زوجة (إخناتون) والملكة العظيمة (حتشبسوت) التي حكمت مصر قرابة عشرين عاما،وقد بلغت مصر في عهدها أعلى قمة في الحضارة والعمارة والتجارة الدولية.

أما بخصوص أنظمة الحكم في هذه الدولة،فقد تنازل الفراعنة عن فكرة ألوهية البشر ونصبوا أنفسهم ملوكا من البشر وهم عباد لله شأنهم شأن عامة الناس،وعلى هذا الأساس نشأت طبقة من أعيان القوم كان لها الفضل في المشاركة في الحكم من خلال تقديم المشورة للملك بشأن السياسة الخارجية وأمور الحرب والضرائب وغيرها،إلاّ أن عملية المشاركة هذه لم ترقى إلى تأسيس مجلس للشيوخ كالذي كان موجود في حضارة بلاد الرافدين بل بقيت السلطات بيد الملك وحده (وليس بمعية الكاهن) يتخذ القرارات الهامة لمصلحة البلد،وأخيرا فإنه لم يدم حكم الأسر التي تأسست على تيار معرفة الله إلاّ مائة ونيف من السنين،حيث ضعفت الدولة المصرية بسبب ضعف ملوكها وتقاتلهم على عرش مصر،بالإضافة إلى إستعادة الكهان لقوتهم ونفوذهم وهذا الأمر الذي مهد لغزو الهكسوس.

الدولة الفرعونية الحديثة

لقد بدأ عصر الدولة الفرعونية الحديثة بعد أن طرد أحمس (الملك الثائر) الهكسوس سنة 1571 ق.م،وذلك بعد أن قضى على ثورات النوبيين جنوبا وإتجه إلى الإصلاح الداخلي في البلاد وإهتم بإنشاء جيش عامل منظم وسلّحه بكل الأسلحة المعروفة آنذاك كما زوده بالعجلات الحربية،ثم جاء رمسيس الثاني الذي يعد من أشهر ملوك هذه الدولة وتعتبر حروبه آخر المجهودات التي بذلها ملوك الدولة الحديثة في سبيل المحافظة على الوحدة،كما إنتهت خصومته مع ملك الحيثيين بتوقيع معاهدة عدم إعتداء بين الطرفين بعد معركة قادش،وتعد هذه المعاهدة أول معاهدة سلام في التاريخ،ومنها أصبحت مصر قوة كبرى وصارت إمبراطورية عظيمة مترامية الأطراف.

ويلاحظ أن الحكم  في هذه الفترة عاد إلى سيرته الأولى في عهد رمسيس الرابع،إذ نصّب هذا الفرعون نفسه إلها وأعانه على ذلك الكهان وكان كبيرهم هامان الذي أصبح فيما بعد الوزير المتصرف بشؤون الإمبراطورية الفرعونية،وقد حكم هذا الفرعون مصر على أساس أنه الإله المشرّع للقوانين وهو في ذات الوقت المنفذ لها،كما وقد بينت لنا قصة نبي الله موسى عليه السلام أن كلمة فرعون هي الفصل الذي لا جدال معه،فبمجرد أن نقل الفرعون نفسه إلى الألوهية أصبح واجب الطاعة من قبل عبيده المصريين،حيث كانت إرادته بأن يجعل من الشعب المصري طبقات،يدّني ويقرب ذوي القربى والولاء منه ويجعل بعضهم مسلط على بعض،ومن ذلك ما فعله ببني إسرائيل الذين لم تنسجم معتقداتهم بعبادة الله وحده مع ما يصبوا إليه،فجعلهم عبيدا بعد أن كانوا  أحرارا وأعمل فيهم السيف وسبى نسائهم وقتل صبيانهم ونكّل بهم،فكان كما وصف القرآن الكريم أن فرعون علا في الأرض وطغى.

ومن خلال قصة النبي موسى عليه السلام يظهر أن نمط الحكم كان قائما في هذا العهد على وجود مؤسسة سياسية على رأسها فرعون ثم يساعده في الحكم الكاهن الأكبر وهو في ذات الوقت المشرّع للقوانين وهو القائد الأعلى للجيش،وهذا في العرف السياسي الحديث يعد حكما مطلقا لا يتشاطر فيه مع أحد من الرعية،حيث أن الحكم هنا قائم عل وجوب الطاعة المطلقة،كما أن قصة سيدنا موسى تبين لنا نهاية الطاغوت الذي لم تعرف الحضارات مثله،فقد مات غرقا ولا يزال جثمانه جاثما حتى الآن ليكون عبرة لمن يتعظ،ومن بعد فرعون لم تدم الحضارة المصرية القديمة طويلا،فقد أتى العصر الذي فيه فصل الختام في التاريخ الفرعوني،إذ تعرضت مصر منذ حكم الأسرة 21 وحتى الأسرة 28 لإحتلال كل من الأشوريين عام 670 ق.م،ثم الفرس حتى إنتهى حكم الفراعنة مع الأسرة 30 ودخول الإسكندر الأكبر مصر،وبدأ عندئذ حكم الإغريق ومن ثم الرومان الذين حكموا مصر حتى زمن فتحها في عصر صدر الإسلام.

عصر الهكسوس

خلال عصر الأسرة 12 حوالي سنة 1725 ق.م قامت القبائل الرعوية التي تسكن في فلسطين وشمال الجزيرة العربية والتي أطلق عليها أسم الهكسوس بالإغارة على مصر وإجتياح أراضيها،وقد تم لهم الأمر إذا إستطاعوا حكم مصر لمائة من السنين وأسسوا نظاما للحكم يقوم على وجود الملك يعاونه رئيس كبار الموظفين وهو العزيز ويسانده على سبيل الإستشارة الملاء من الهكسوس وهم علية القوم وأشرافهم،وقد بينت لنا قصة يوسف عليه السلام أن الهكسوس كانوا أقواما ينفتحون نحو الأفراد الذين يمتلكون المهارات والخبرات في مختلف شؤون الحياة بل في أهمها أيضا،ومن ذلك أصبح يوسف عزيز مصر مع أنه من قوم غرباء عن المصريين والهكسوس،وهو الأمر الذي مهد لقيام حكومة قائمة على ميزان العدل والإعتدال فأصلح النظام الإداري وأسس لقضاء عادل،كما وبدأت بوادر المشاركة في الحكم تظهر من خلال توسيع نطاق الإستشارة بين الملأ وبين عامة المصريين وإشراكهم بالرأي،لكن ذلك لم يدم طويلا فبعد حوالي 120 سنة إسترجع المصريون الحكم بعد أن طردوا الهكسوس في 1571 ق.م.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart