كيف تفهم الصلاة
نظرا لأهمية إقامة الصلاة في هذه الأمة،فقد أحضر الله
سبحانه وتعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسـلم إلى الحضرة الإلهية في السماوات
العلى (المعراج) وليس عن طريق الوحي لكي يبلغه بإقامة الصلاة.
1- الصلاة (تقام) ولا (تؤدى)
إذا نظرنا في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)
(البقرة 43) نجد أن الصلاة تحتاج إلى (إقامة) وليس إلى (تأدية) فكلمة
(أقيموا) تجعل من الصلاة فعلا مقاما في الأمة،بحيث تصبح الصلاة أهم خصائص هذه
الأمة،و(القيام) يعني التمسك الدائم،حيث قال الله تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا
الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ
إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)
(الشورى 13)،ولذلك كان دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام،حيث قال الله تعالى:
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ
الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم 40)،ولذلك تحتاج الصلاة إلى (إقامة)
أي أن تحقق شروط الصلاة الصحيحة وأن تكون مرتبطة مباشرة مع الزكاة وإنفاق
المال،فمعظم الآيات الكريمة تربط بين (إقامة) الصلاة وإيتاء الزكاة وإنفاق المال
بشكل دائم في الليل والنهار،حيث قال الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)
(البقرة 43)،كما قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا
لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ
إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ) (البقرة 83)،وقال الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ
مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة 110)،وقال الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ) (النور 56)،وقال الله تعالى: (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ
وَلَا خِلَالٌ) (إبراهيم 31).
الصلاة أيضا هي وصية الله تعالى للرسل الكرام،حيث قال
الله تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا
أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (مريم
31)،وهي وصية الأنبياء الكرام لأهل بيتهم،حيث قال الله تعالى: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ
مَرْضِيًّا) (مريم 55)،وهي وصية الله تعالى لأمهات المؤمنين عليهن رضوان الله تعالى
جميعا،حيث قال الله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ
الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب 33)،كما وعلى كل رب أسرة أن يقوم
بذلك،حيث قال الله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ
وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ
لِلتَّقْوَى) (طه 132).
2- شروط الصلاة الصحيحة
إن الصلاة في شكلها الصحيح تحتاج إلى تحقيق الشروط
الأساسية التالية:
- المداومة على أوقاتها الخمسة،حيث قال الله تعالى: (إِلا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج 22 -23).
- المحافظة على تنفيذها بالشكل الصحيح،حيث قال الله
تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ
صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المؤمنون 9) بما في ذلك (الخشوع)،حيث قال الله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون 2)،كما قال الله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا
عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة 45).
- القنوت وهو تجريد النية في العبادة لله تعالى بسعادة
ورضى وليس بالكسل والملل،حيث قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة 238).
3- المحراب
يسمى مكان الصلاة (المحراب) لأن الإنسان أثناء إقامة
الصلاة يكون في حالة حرب مع كل أنواع الشر والأذى للآخرين،حيث قال الله تعالى: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ
اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا
وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران 39)،وإلا يكون الإنسان يؤدي الصلاة فقط
بالركوع والسجود وذلك دون أن يكون لصلاته أي إنعكاس إيجابي على حياته،وبالتالي لن
تنخفض نسبة الشر ولن تزيد نسبة الخير في المجتمع،حيث قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا
يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة 54).
4- أوقات الصلوات الخمسة في القرآن الكريم
إن الصلاة وردت بالتواتر اليومي من الرسول الكريم صلى
الله عليه وسلم وحتى هذا اليوم ولقيام الساعة،لذلك لا شك في أوقاتها الخمسة،حيث
ورد في القرآن الكريم الأمر بالتوجه للكعبة في المسجد الحرام خمس مرات يوميا.
- صلاة الفجر: وردت صراحة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ
الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ
ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ
ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ
الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النور 58).
- صلاة الظهر: : وردت صراحة في قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ
ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء 78) ودلوك الشمس هو بداية ميلانها
عن وسط قبة السماء.
- صلاة العصر: لم ترد صراحة في القرآن الكريم،ولكنها
وردت بالتواتر عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
- صلاة المغرب: وردت صراحة في قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ) (هود 114).
- صلاة العشاء: وردت صراحة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ
الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ
ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ
ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ
الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النور 58).
5- السجود
في حالة الضغوط النفسية الشديدة يكون العلاج النفسي
بالسجود مع البكاء،لأن البكاء يريح النفس ويخلصها من ضغوط الحياة،حيث قال تعالى: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (الإسراء 109)،كما قال تعالى: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن
ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ
وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ
خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) (مريم 58).
6- الصلاة وذكر الله (طاقة)
إن الصلوات الخمسة تقوم بتزويد الإنسان بالطاقة الحيوية،وذكر
الله بين الصلوات يعمل على تنظيم هذه الطاقة،لذلك يجب أن يكون اليوم عند المؤمن
على الشكل التالي: (صلاة + تسبيح - صلاة + تسبيح ...)،حيث قال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ
جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) (النساء 103)،لذلك دوما يربط القرآن الكريم
بين ذكر الله وبين الصلاة،حيث قال تعالى: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ) (الأعلى 15)،كما قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين) (الحجر 97 - 99).
7- صلاة الرياء
إن الرياء الحقيقي يكون في الصلوات التي (يؤديها) البعض
بلا خشوع وبحالة شرود تام وبشكل كسل تام،حيث قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا
إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ
إِلَّا قَلِيلًا) (النساء 142)،أما الساهون عن الصلاة ليس الذين ينسونها ولكنهم الذين
يصلون بشكل أداء أمام الناس كشكل من أشكال الرياء،حيث قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ
هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون 4 – 7)،وكما قال تعالى: (وَمَا
كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ۚ فَذُوقُوا الْعَذَابَ
بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) (الأنفال 35).
علي منصور الكيالي