قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

إشكاليات وطرق اندماج المسلمين والعرب في الغرب

إشكاليات وطرق اندماج المسلمين والعرب في الغرب

إشكالية الاندماج أو الاستقلالية في الغرب لم تصبح هاجسًا خاصًّا بالمسلمين والعرب فقط، بل أصبحت همًّا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا يؤرق كافة الحكومات الغربية التي يوجد على أراضيها عشرات الآلاف من هؤلاء، وذلك إلى درجة أن العديد من الساسة الغريين الأعضاء في الأحزاب الحاكمة في الغرب أصبحوا يرفضون تولِّي وزارات الهجرة والاندماج لعقدة الملفات المطروحة في أجندتها وتشابكها، وللإخفاقات الكثيرة التي منيت بها سياسات الاندماج في دول الغرب عمومًا، علمًا بأن وزارات الهجرة والاندماج في الغرب تحظى بميزانيات كبيرة جدًّا تفوق معظم الوزارات الأخرى.


هذا وسبب اهتمام الدوائر الغربية بسياسة الاندماج يعود إلى أن الحكومات الغربية تحتاج بشرًا من القارات الخمس ومن العالم الثالث على وجه التحديد، وذلك في سبيل الحفاظ على التوازن السكاني وبعث الحيوية والروح في الواقع الاجتماعي والاقتصادي الغربي، خصوصًا في ظل التضاؤل الرهيب للنسمة الغربية (النمو السكاني) وتراجع معدلات الولادات لنسب متدنية جدـّا (مخيفة)، هذا وإذا كانت العواصم الغربية قد أوجدت نوعًا من التوازن السكاني واستطاعت أن تملأ المناطق الفارغة فيها بالقادمين من العالم العربي والإسلامي والثالث، فإن دوائر القرار فيها ما زالت تولي أهمية قصوى لأمنها المستقبلي اجتماعيًّا وثقافيًّا، وما يقتضيه ذلك من قطع اللحمة والروابط بين الأجيال المولود معظمها في الغرب وانتماءاتهم الحضارية (الأصلية)، وذلك حتى لا يكون الواقع الغربي الجديد واقعًا إثنيًّا متعددًا من الناحية الاجتماعية والثقافية والدينية.


كما ويرى إستراتيجيو الاندماج الغربيون أنه لا يوجد أمل في تغيير ذهنيات وشخصيات الجيل الأول من هؤلاء المهاجرين بما ينسجم مع مفردات الحياة الغربية، ولهذا يجب أن تخصص جهود جبارة لتغريب الأجيال التالية من الأبناء والأحفاد، والذين هم أكثر من آبائهم اندماجًا في الحياة الغربية، وذلك من خلال التعليم في المدارس والجامعات، والعيش مع الآخرين في الأحياء السكنية المتنوعة السكان، والاختلاط معهم في الأندية الرياضية والمراكز الاجتماعية والثقافية وغيرها، حيث يعترف هؤلاء الإستراتيجيون بأن رهانهم الأساسي هو على هؤلاء الأبناء والأحفاد دون الآباء، وذلك لأنهم منذ ولادتهم سوف يخضعون للقواعد الغربية، والتي تم إيجادها لتنظيم حياة الفرد من المهد إلى اللحد كما يقال، وهو الأمر الذي يجعل أطفال المهاجرين أقرب إلى المعادلة الغربية في الحياة من الآباء.


لهذا كله ارتفعت الأصوات الحقوقية الغربية بضرورة إيجاد سياسة إندماجية ناجحة تجعل القادمين من الشرق (عمومًا) جزءًا لا يتجزأ من الواقع الغربي، والعمل على دعم حركة دعوة الشابات المسلمات منهن خصوصًا إلى الثورة على الدين والتقاليد والعادات والمبادئ التي ما زالت تتحكم في مسلكيات أسرهم القادمة من العالم الإسلامي والعربي إلى هذه الدول (الغرب عمومًا)، وذلك مع تزايد ما يسمى بـ«جرائم الشرف في الغرب»، ولجوء هؤلاء المهاجرين إلى قتل بناتهم بسبب السلوك الغربي المتحرر من كل القيود الأسرية بشكل مطلق، حيث إن هناك المئات من قضايا الاعتداء والضرب ومحاولات القتل المعروضة أمام المحاكم، وذلك من قبل الأبناء وخاصة البنات منهن على أولياء أمورهم من آباء وإخوة (أقارب ذكور)، إضافة إلى عشرات الجرائم الأخرى التي يرتكبها هؤلاء المهاجرون في مختلف أنحاء دول أوروبا وأمريكا.


وبسبب الإرباكات التي يعيشها المسلمون والعرب عمومًا في الغرب، ونتيجة لتبعات الاحتقان العنصري الغربي ضد المسلمين خصوصًا، فإنه غالبًا ما تتحول هذه القضايا إلى موضوع للرأي العام، وذلك تنديدًا بجرائم الشرف هذه من قبل الصحافة والإعلام المرئي والمسموع الذي يهتم بهذا النوع من القضايا، والتي يرى أنها تشكل إخفاقًا كبيرًا في موضوع الاندماج، كما وتسعى بعض الجهات السياسية والاجتماعية في هذه الدول إلى تسييس هذه قضايا وغيرها، واتهام العرب والمسلمين بأنهم غير قابلين للاندماج في المجتمع وغير مؤهلين ليصبحوا جزءًا منه، علمًا بأن بعض التيارات السياسية في هذه الدول ترى أن الاندماج لا يعني التخلي عن الدين والثقافة والخلفية الفكرية للمهاجر العربي والمسلم، إلا أن أصحاب هذا الطرح بدأ يتضاءل حجمهم، وذلك بسبب ما يثيره ذلك عليهم سياسيًّا وإعلاميًّا من قبل اليمين المتطرف.


هذا ومهما كانت الأهداف الإستراتيجية لسياسة الاندماج في الغرب، فإن المسملين والعرب (المهاجرين عمومًا) انقسموا تجاه هذه السياسات إلى ثلاث فئات هي:


1- الفئة الأولى: وهي التي ذابت بشكل كامل في المجتمع الغربي وباتت تزايد على الغربيين في نسيانهم المطلق للقيم والمبادئ والمفاهيم الروحية، وأصبح هؤلاء لا يعترفون بالإسلام كشريعة متكاملة، بل راحوا يذمون الدين من خلال تصرفاتهم وتصريحاتهم، وصار لحم الخنزير في عرفهم الجديد لحمًا لذيذًا والأفلام الإباحية جزءًا لا يتجزأ من التمتع بالحياة، كما وأن العديد من المشروعات والمحلات التي فتحها المنتمون إلى هذه الفئة أصبحت وكرًا لكل أنواع الفساد، وذلك لأن الكثير من المنتمين إلى هذه الشريحة، إما لم يكن لديهم إلتزام بالإسلام كدين في بلادهم، وإما أصبحت لديهم ردة فعل مضادة ومخالفة تجاه بعض الممارسات الخاطئة باسم الدين في بلادهم، وأخص بالذكر هنا الإيرانيين والكثير من العرب والأتراك والأكراد.


2- الفئة الثانية: وهي تلك الفئة الشديدة الالتزام، والتي تعد وجودها في الغرب اضطراريًّا لأسباب سياسية أو اقتصادية، وبمجرد زوال مسببات الإقامة الاضطرارية هذه في الغرب سيعودون إلى ديارهم وبلدانهم، وتعيش هذه الفئة خارج المعادلة الاجتماعية والثقافية والسياسية في الغرب، لكنها في المقابل حافظت على التزامها وتدينها وعقيدتها، ولا شك أن هذه الفئة تجابه صعوبات متعددة في دنيا الاغتراب وتحتسب ذلك عند الله تعالى.


3- الفئة الثالثة: وهي الفئة المتمسكة بدينها والمنفتحة على محاسن الحضارة الغربية، وذلك من قبيل النظام والانضباط والحث على طلب العلم وتقديس قيمة العمل والعمل الدؤوب، وتعد هذه الفئة انفتاحها على محاسن الحضارة الغربية وإقامة جسور تواصل مع الغربيين مدخلًا ضروريًّا للتعريف بالحضارة العربية والإسلامية، وبدون ذلك سيبقى الغربيون جاهلين بمقاصد الشريعة الإسلامية والإسلام كدين، خصوصًا وأنهم يستقون معلوماتهم عن الإسلام إما من المستشرقين الغربيين الذين درسوا الحضارة العربية والإسلامية وإما من المستغربين العرب الذين كتبوا عن الإسلام بما يرضي العقل الغربي طمعًا في الجوائز والمخصصات المالية التي تخصص لهذا الغرض وهي تقدر بملايين الدولارات، وإلى هذه الفئة ينتمي المثقفون وحملة الشهادات العليا من المسلمين والعرب، والذين بدأوا يلعبون أدوارًا مهمة في الواقع الغربي اليوم.


رابط المقال في ساسة بوست:

https://www.sasapost.com/opinion/problems-and-ways-of-integrating-muslims-and-arabs-in-the-west/

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart