ضرورة الإيمان بوجود الله تعالى لإثبات دقة الضبط الكوني
استند الإلحاد المعاصر في بدايته على
فرضية تقول إن الكون (المادة والطاقة) أزلي لا بداية له، لكن العلم أثبت استحالة
أزلية الكون؛ ثم صيغت فرضية على شكل نظرية سميت بالكون المستقر، لكنها فشلت في
تفسير كيف لم تتبدد طاقة هذا الكون وتوزعت عشوائيا بدلا من التجمع في مكان واحد ومنذ
زمن بعيد، وبعدها جاءت نظرية الانفجار العظيم، والتي تنص على أن الكون الذي يتسع
باستمرار كان قد نشأ من نقطة أولية، وأن النشوء والاتساع الكوني يتوقفان على
قوانين وثوابت فيزيائية في غاية الدقة، وهو ما دعا العلماء لإطلاق مصطلح الكون المنضبط
بعناية، وخصوصا مع دقة الثابت الكوني لاتساع الكون، وهو رقم لا يسمح بوجود الصدفة
والعشوائية.
هذا وفي محاولة لإنكار وجود القصد
الإلهي (الله تعالى) وراء هذه الدقة، افترض الفيزيائيان (ستيفن وينبرغ وستيفن
هوكينغ) أن هذا الكون الدقيق ليس سوى حالة نادرة من بين عدد هائل من الأكوان
الأخرى العشوائية التي تسبح في الوجود، ومشكلة هذا التصور الساذج هي استحالة رصد
تلك الأكوان المفترضة، وذلك لأن أي كون خارج كوننا سيكون خارج ما يسمى بأفق الجسيم،
وهي مسافة كبيرة إلى درجة أن أي جسيم حامل للمعلومات لا يستطيع أن يقطعها ليصل إلى
الباحث (الراصد)، حيث أن عمر الكون نفسه سيكون أقصر من تلك المدة، وهذا يعني أن
افتراض الأكوان الأخرى ليس سوى نظرية فلسفية لا علمية، كما أن كل كون من هذه
الأكوان المزعومة لابد أن يتوسع طوال تاريخه، وأنه لابد أن تكون له بداية وليس
أزليا، وهذا يعني أنه حتى في حال صحة وجود أكوان أخرى غير هذا الكون، فكل واحد
منها لابد أن يكون قد بدأ من نقطة نشوء ما في الزمن الغابر (وجود خالق).
لكن مازال الكثير العلماء الملحدين يتمسك
بفرضية (الأكوان المتعددة) لأنها الملاذ الوحيد البديل عن الخالق العظيم، كما أن
وجود تلك الأكوان المزعومة، والتي يستحيل إثبات وجودها علميا وعمليا، وضع هؤلاء
الملحدين أمام بحث آخر حول نشأتها ومصدر قوانينها وثوابتها الفيزيائية، ولم
يتخلصوا بذلك من معضلة إعداد هذا الكون بعناية، لأن الأكوان الأخرى معدة بعناية
أيضا، وربما كانت أكثر إعجازا وتعقيدا، وسيضطروا بذلك للبحث عن خالقها بدلا من
الاستناد إلى الصدفة والعشوائية، فالتعقيد المخصص (الكون) لا يمكن أن ينشأ
بالصدفة، وذلك لأنه عمل معقد ومخصص معا ويستلزم وجود خالق (الله تعالى).
هذا وتم أيضا محاولة إثبات إمكانية
انبثاق الكون المادي من العدم من تلقاء نفسه، إلا أن المأخذ الجوهري على هذه النظرية
هو الاقتناع بأن (اللاشيء) هو (العدم) نفسه، وهذه مغالطة كبيرة في الفيزياء، وحسب
فيزياء الكم فإنه لا يوجد فراغ ليس فيه أي شيء أو فيه عدم محض، والعدم هو نقيض
الوجود أصلا ولا يمكن للعدم أن يوجد، وقياس طاقة الفراغ في زمن محدد يجب أن يحوي
قدرا ما من الطاقة حتى لو كان للجسيمات الافتراضية التي تظهر وتختفي فيه، وهو ما
يسمى بالقدر الأدنى من الطاقة الممكنة، وهكذا لا يمكن أن يوجد هذا العدم المحض
أصلا ليكون هو أصل الوجود (الكون).
وأخيرا نرى كيف أن ضرورة الإيمان بوجود
إله (الله تعالى) لهذا الكون قد تتلخص في فشل العلماء والفلاسفة في إثبات نشأة
العالم المادي من العدم بمعزل عن إله خالق (الله تعالى)، وأن الكون (الطبيعة) يسير
وفق قوانين وصيغ رياضية ثابتة ومترابطة، ولا بد أن هناك مصدرا عاقلا وضع هذه
القوانين والصيغ، كما وأن كل قوانين الطبيعة تعجز عن تفسير نشأة الحياة من مادة صماء، وأيضا من
المستحيل أن نفسر الغائية والذكاء بالعشوائية والصدفة، إضافة إلى أنه كلما ازدادت
معرفتنا بالكون نكتشف أنه قد تم إعداده بذكاء لاستقبال حياة الكائنات الحية (البشر)،
وكل النظريات التي وضعها العلماء لتفسير هذا الإعداد المحكم أقل ما يقال عنها أنها
كانت مثيرة للسخرية.