قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

علي عزت بيجوفيتش.. المفكر والمؤلف

علي عزت بيجوفيتش.. المفكر والمؤلف
المفكر

منذ بدايات حياة علي عزت بيجوفيتش، كانت عنده أسئلة ثلاثة هي: (ماذا يمكن أن أعرف؟ ماذا يجب أن أفعل؟ وبماذا يجب أن آمل؟)، ولهذا اهتم بالمعرفة وسعة الثقافة، حيث يقول: (لقد اعتمدت اعتمادا كبيرا على القراءة بدلا من الدراسة عندما أصبحت في المرحلة الثانوية، فكنت أقرأ كل الأعمال الفلسفية الأوروبية الهامة وأنا لم أتجاوز الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة)، ثم اهتم بالعمل كما كان واقعيا في آماله، وحياته العملية لم تكن ذات عزلة معرفية، حيث لم يكن متفلسفا منعزلا، بل كان يهتم ويشهد ويعاني حياة الناس العامة، ويندمج في جزئيات أعمال أطفاله وأقاربه وأصدقائه وزملائه، كما وكان يشارك دائما في الحوارات والمناقشات حول تفسير اللوحات الفنية أو المسرحيات أو الروايات أو الكتب الفلسفية، إضافة إلى تحليل الآراء السياسية والتشريعات القانونية وأفكار وإسهامات الفلاسفة الكبار.


هذا وقد كان علي عزت مفكر يغوص في الأعماق ويأبى أن يعوم فوق السطح، حيث أحاط نفسه بألوان الثقافة العصرية والعلوم الشرعية، وقرأ الكتب الفكرية الإسلامية المعاصرة، وجمع بين أصناف تلك العلوم التي حصّلها من مصادرها الأمينة والموثوقة، غربية كانت أو إسلامية، فكان بذلك مفكر عميق، ودارس واع للتيارات الفكرية المعاصرة، حيث قرأ ما وصل إليه من كتب الحركة الإسلامية بمصر وتأثر بأفكارها وتجاربها، كما اطلع على تجارب الحركات الإسلامية الأخرى في الهند وباكستان وإندونيسيا، وقرأ بعض كتب المودودي والندوي ورئيس وزراء إندونيسيا الأسبق الدكتور محمد ناصر، وتفاعل معها وهو ما يزال طالبا يدرس القانون في جامعة سراييفو، وحاول تعزيز روابط شعبه ببقية إخوانهم من زعماء الأمة الإسلامية وشعوبها، ونجاحه في كسبهم لمناصرة هذا الشعب، إضافة إلى أنه كان يتحرك في أوساط الطلبة البوشناق في الجامعة، ويحاورهم ويقنعنهم بما اقتنع به من تلك الأفكار التي ألهمته ودلته على الطريق الذي يجب أن يسير فيه من أجل النهوض بشعبه البوشناق وبسائر مسلمي البلقان، وذلك لتخليصهم من أتون الشيوعية الملحدة التي كانت تريد أن تطمس هويتهم وتقضي على دينهم الإسلامي الحنيف، وتجعلهم قطيعا يعيش على هامش الحياة، كما كانت تسير سائر القطعان الأخرى التي رزحت تحت وطأة الحكم الشيوعي الدموي.


كما ونجد أن مجموعة الكتب والتراجم التي قرأها علي عزت بيجوفيتش تمثل رقما كبيرا، وعمله الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي خير شاهد على قدرته على الاطلاع الواسع، وعلى الاستيعاب الواعي والانتاج المفيد، وهذا ما جعله صاحب حضور سياسي واجتماعي مستمر في أحداث بلده، إضافة إلى حضور ومعرفة بالقضايا الدولية وموقع بلاده منها، وكأنه كان يعمل على طريقة (اعمل محليا وفكر عالميا)، حيث كان واسع الأفق وقادر على أن يمزج الملاحظة الفنية بالنفسية والسياسية واللغوية، والعمل على تدبر مصائر الأمم الكبيرة عبر القرون الماضية، إلا أن نباهته وعزيمته وحميته وحرصه على تحرير فكره وأمته، صنع له أعداء حاقدين فوق ما كان يتخيل.


وهكذا فإن علي عزت بيجوفيتش، كان رئيس الدولة والمفكر والمؤلف والناشط السياسي والفيلسوف الإسلامي، والذي جمع بين قوة العقل وإشعاع الروح، وبين المحارب حامي البلاد والمفاوض الشريف، كما كانت كتبه وكتاباته عالية القدر، وعلمية رصينة، وعميقة الفكر عن أثر الإسلام في تقدم الفرد والمجتمع، فيما كان سلوكه وأعماله شاهدا صادقا على أقواله، بحيث أنشأ حزبا إسلاميا قاد من خلاله شعبه المسلم إلى الإستقلال، واستمر صامدا في وجه التحديات العرقية والمؤامرات العدوانية، إضافة إلى أنه مثّل أنموذجا للمثقف المعتدل، والفرد الواعي الزعيم، ليس فقط في بلده وبين المسلمين، ولكن بين شعوب وزعماء العالم وثواره، حيث بين لهم الدور العالمي للإسلام في تقدم الفرد والمجتمعات، وقد كان لهذا عظيم الأثر في دول يوغوسلافيا سابقا وخارجها.


وأخيرا نقول كان علي عزت بيجوفيتش يتمتع بقوة روحية هائلة، حيث إن القوة الداخلية للإنسان قد تعلو به فوق قدره في هذا العالم الخارجي، ودليل ذلك وقوفه ببسالة ومنذ شبابه للدفاع عن حقوق المسلمين في بلاده، وتعرضه للسجن والتنكيل من قبل السلطات النازية والشيوعية لمواقفه الشجاعة، كما كان قويا مع مرونة ملفتة، وأوضح ذلك في حرصه الدؤوب على العمل، والمفاوضات مع الخصوم والأعداء طوال الوقت، وحرصه على إنجاز موقف عملي مفيد لبلده ولو كان جائرا أو أقل مما يطمح له، حيث كان يدرك توجهات العالم الغربي وكراهته لكيان إسلامي في أوروبا، وحادثة القبول بالصلح مع الصرب والكروات أنموذج يستحق التقدير، فالتصلب كان مهلك والصلح غبن، ولكنه أخف الضررين، والقبول به كان حسب وصفه (سلام جائر خير من حرب مهلكة)، وبذلك اتخذ مسلكا رشيدا في تعامله مع الظروف المحيطة بشعبه المسلم، أملا في أن يحقق ما يرجوه من خير وانتصاره على أعدائه.


كتبه ومؤلفاته


- (البيان الإسلامي)، والذي كتبه عام 1969م، ويتناول فيه ظاهرة التخلف بين الشعوب الإسلامية، وطبيعة المشروع أو النظام الإسلامي وأبعاده وعناصره، وهو عبارة عن بيان عن فكرة وبرنامج المسلمين في البوسنة وإن كانت صياغته عالمية، وفكرة الكتاب أن الإسلام هو وحده الذي يستطيع إعادة إحياء القدرات الخلاقة للشعوب المسلمة، ودعا فيه بيجوفيتش إلى العودة إلى الأصول والمنابع وندد بالقمع، كما ودعا فيه إلى مزيد من الإنفاق على التعليم والابتعاد عن العنف، وضمان حقوق الأقليات وتحسين وضع المرأة.


ولقد تلقى الغرب هذا الكتاب بشيء من التحفظ، حيث ثارت ثائرة السلطة الشيوعية آنذاك، والتي رأت فيه نوعا من المناهضة للفكر الشيوعي، خصوصا بعنوانه المثير والمناقض لعنوان (البيان الشيوعي)، والذي أصدره كارل ماركس وفريدريك أنجلز عام 1848م، وأصبح بمثابة الكتاب المقدس للحركة الشيوعية، وهكذا رفعت دعوى ضده، وكان مما جاء في الدعوى أنه أكد في الكتاب (أنه لا توجد حادثة واحدة في التاريخ لم تكن فيها حركة إسلامية حقه وأصيلة وحركة سياسية في نفس الوقت، وإن السبب وراء ذلك إن الإسلام أسلوب حياة متكامل)، كما وقد منع الكتاب في فرنسا ودول أخرى، بيد أنه لقي رواجا منقطع النظير في بقية أنحاء أوروبا، حيث وصفه أحد الكتاب البريطانيين بأنه أعظم كتاب صدر في أوروبا في وقته.


- (هروبي إلى الحرية)، وهو عبارة عن أوراق وخواطر وتأملات كتبها وهو في السجن خلال الفترة من 1983م - 1988م، وقد احتوى الكتاب على مقدمة وستة فصول وملحق، تحدث فيه بيجوفيتش عن الحياة والناس والحرية والدين والأخلاق وملاحظات على السياسة، إضافة إلى حديثه عن الشيوعية والنازية والإسلام، كما وأشار إلى كل ما يمكن أن يضيفه إلى كتابه (الإسلام بين الشرق والغرب)، وختمه بملحق سماه رسائل من أولادي.


- (الإسلام بين الشرق والغرب)، وهو درة كتبه وأهمها وأشبه بالموسوعة العلمية، وقد نشر أول مرة عام 1984م، وقد نشر بالإنجليزية قبل نشره بلغته الأصلية، ثم ترجم للعربية من الإنجليزية، ويقول بيجوفيتش عنه: (لقد كان هدفي في ذلك الكتاب هو أن أدرس المكانة التي يحتلها الإسلام في أفكار وحقائق عالم اليوم, ولقد بدا لي أن الإسلام يقع ما بين التفكير الشرقي والغربي تماما، كما هي حال الموقع الجغرافي للعالم الإسلامي، حيث يقع بين الشرق والغرب)، كما ويرى فيه أن هناك ثلاث وجهات نظر عالمية، ولا يمكن أن يكون هناك أكثر من تلك وهي: (وجهة النظر الدينية والمادية والإسلامية)، بالإضافة إلى أنه كان ناقدا فيه للحضارة الغربية بطريقة علمية ومنهجية دقيقة.


وقد جرب علي عزت بيجوفيتش في كتابه (الإسلام بين الشرق والغرب)، أن يمضي في طريق فك الاشتباك الذي طال منذ زمانه بين الشرق والغرب، كما قدم اجتهادات مهمة في تفسير ظاهرة الإنسان في كل تركيباتها، وهذه التراكيب المرتبطة تمام الارتباط بثنائية الإنسان والطبيعة، والتي كانت هي نقطة انطلاقه والركيزة الأساسية لنظامه الفلسفي، كما وكان حجر الزاوية عند بيجوفيتش أن العالم الحديث يتميز بصدام فكري، وأننا جميعا متورطون فيه سواء كمساهمين أم ضحايا، ويتساءل ما موقف الإسلام من هذا الصدام الهائل، وهل للإسلام دور في تشكيل هذا العالم الحاضر.


- (عوائق النهضة الإسلامية)، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات المتفرقة، يتحدث فيها عن النهضة الإسلامية والعوائق وعوامل البناء الصحيح، حيث يحتوي الكتاب على إحدى عشرة مقالة هي: (ما سبب تخلف المسلمين - المرأة المسلمة.. زوجة وأم - تأملات بمناسبة الذكرى الألف والأربعمئة لنزول القران الكريم - المسلمون وإسرائيل - الإسلام والمعاصرة - هل نربي المسلمين أم الجبناء؟ - نحو الثورة الإسلامية - كيف نقرأ القرآن؟ - تأملات في الهجرة النبوية - رسول الله محمد - الإسلام وكفاح الشعوب).


- (الأقليات الإسلامية في الدول الشيوعية)، والذي تناول فيه أوضاع المسلمين وما يتعرضون له من ظلم في تلك الدول.


- (مشكلات النهضة الإسلامية).


- (مذكرات علي عزت بيجوفيتش)، وهو عبارة عن سيرته الذاتية خلال مراحل حياته المختلفة.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart