الصيغ الأمثل للأسئلة
في المقابلات الإعلامية والتفاعل بين المذيع والضيف
الصيغ الأمثل
للأسئلة في المقابلات الإعلامية
هناك مثلث ذهبي يلخص عناصر نجاح المقابلة الإعلامية الصحفية (الإذاعية والتلفزيونية) وهو: (الاستعداد - الاستماع – التفاعل)،
كما أن ضعف أي ضلع من هذه الأضلاع يؤثر في جودة المقابلة، فعدم الاستعداد الجيد
سيجعل المذيع أو المقدم غير ملم بموضوع المقابلة، كذلك لا يمكن إجراء مقابلة من
دون التركيز التام في الاستماع للضيف، وحتى في حالة الاستعداد والتركيز، فلا تنجح
المقابلة من دون التفاعل، فعدم التعقيب على أي شيء يقوله الضيف والاكتفاء بسرد
الأسئلة يحكم على المقابلة أيضا بالفشل.
ولكن كيف ننجح في ترجمة هذا المثلث النظري إلى واقع تطبيقي يوصلنا إلى
مقابلة ناجحة؟ الإجابة هي في الأسئلة المطروحة، حيث يجب أن نعرف جيدا كيف
نسأل؟، وما الصيغة الأمثل للسؤال؟ وما معايير السؤال الأمثل؟
أولا: يجب أن يكون السؤال واضحا، فمن أسوأ الأسئلة، ذلك السؤال الذي
يعجز الضيف عن فهمه لتعقيده وضبابيته.
ثانيا: يجب أن يكون السؤال مختصرا، فالسؤال الذي يأخذ وقتا طويلا،
ويتكون من جمل متشعبة ومتعددة، يعد سؤالا غير موفق.
ثالثا: يجب أن يكون السؤال مباشرا، فمن السيئ أن يشتت المذيع انتباه
ضيفه، وذلك بالالتفاف حول السؤال وإعطاء مبررات ومقدمات للسؤال قبل طرحه على
الضيف، وقد يحدث ذلك مثلا في حالة تحرج الإعلامي من طرح السؤال على شخصية مهمة، ولهذا
يجب دائما طرح السؤال بصيغة مباشرة قدر الإمكان.
رابعا: يجب ألا يكون السؤال مركبا، فالسؤال المركب والمكون من أسئلة متشابكة،
يعد من الأسئلة المعقدة وغير الموفقة، في حين أن السؤال يجب أن يكون بسيطا ووحيدا.
خامسا: يجب ألا يحمل السؤال موقفا مسبقا، فمثالا قد يطرح المذيع سؤالا
على الوزير قائلا: "اشرح لنا هذا الموقف الشهم الذي اتخذته الحكومة"،
هنا حكم المذيع على موقف الحكومة بالشهامة من دون انتظار رأي الوزير! وهذا النوع
من الأسئلة غير مقبول؛ لأن المذيع يجب ألا يتخذ موقفا من الحدث، سواء كان ذلك
الموقف سلبيا أو إيجابيا.
وهكذا إذا حافظنا على هذه النقاط في أي حوار، سواء كان في النشرات
الإخبارية أو في المقابلات، سنكون قد تمكنا من تحقيق أساسيات المقابلة الناجحة،
هذا إضافة إلى تحقيق عناصر مثل حضور البديهة، القدرة على التعقيب، تصحيح
المعلومات، فهذه مسائل تساعد على طرح الأسئلة الناجحة، كما أن هناك بعض الأسئلة،
يجب على المذيع تجنبها؛ لأنها غير موفقة، وتقلل من مستوى المقابلة، وذلك مثل السؤال
الفضفاض الذي لا بداية له ولا نهاية، فقد يطرح الإعلامي سؤال: "ما رأيك في
واقع الاعلام العربي؟" هذا سؤال واضح ومختصر، إلا أنه غير موفق؛ لأن المذيع
لم يحدد نوعية الإعلام الذي يقصد، هل هو إعلام مكتوب، إذاعي، تلفزيوني، أم هو
الإعلام الجديد؟ وهل هذا الإعلام في المغرب، تونس، السعودية، الصومال، ... أم في
أي بلد؟ فالسؤال عن واقع الإعلام العربي، سؤال عام لا يدري المجيب عليه من أين يبدأ
ولا أين ينتهي، فهو ليس سؤالا موفقا، بل عنوان محاضرة. ومثال آخر على سؤال فضفاض:
"ما رأيك في واقع المرأة العربية؟" هذا سؤال عام وغير موفق أيضا؛ لأن
واقع المرأة في السعودية، يختلف عن واقعها في المغرب، وواقعها في لبنان وتونس
يختلف عن واقعها في قطر، وواقعها في قطر يختلف عن واقعها في الكويت، وهكذا، لذا
على المذيع أن يسأل سؤالا دقيقا ومحددا، ويتجنب الأسئلة العامة والفضفاضة.
هذا ويجب أيضا تجنب الأسئلة الموجهة، وهي الأسئلة التي تهدف إلى
الخروج بإجابة بعينها من الضيف، كأن يسأل المذيع ضيفه قائلا: "حدثنا عن هذه
النهضة العمرانية التي تشهدها بلادنا، وهذا الجهد والإنجازات الكبيرة التي قامت
بها الحكومة في تطوير البنية التحتية، على المستويين؛ الاقتصادي والاجتماعي؟"
فهذا لا يعد سؤالا، لأن المذيع ببساطة يدفع ضيفه دفعا للإشادة بالحكومة وإنجازاتها.
كما أن الأسئلة ذات التوجه العدائي أو العنصري أو الطائفي محظورة تماما،
وهي الأسئلة التي توحي بازدراء دين أو طائفة أو لون أو عرق، وهذا النوع يعد من
الكبائر في عمل المذيع، مثل سؤال ما رأيك في ممارسات هؤلاء المتدينين التي تعبر عن
تخلف وجهل كبيرين؟! فهذا سؤال غير مقبول، لأن المذيع يجب أن يحترم الأعراق
والأديان والثقافات كلها.
وأيضا هناك الأسئلة التي تعطي خيارات للضيف، وهذه من المصائب
الإعلامية الكبرى؛ لأنها من الأخطاء المتفشية والشائعة، مثل سؤال: "هل تعتقد
أن هذه القضية تتطلب موقفا من الحكومة أم لا؟"، هذه "أم" هي
المشكلة؛ لأنها تعطي الضيف خيارات في الإجابة، ويذكر هنا واقعة حدثت بالفعل وتعبر
عن هذا النوع من الأسئلة، حيث أُفرج عن أحد السجناء المشهورين في أحد البلدان،
وسأله المذيع: "هل تم الإفراج عنك بناء على شروط وصفقة معينة؟"، لو توقف
المذيع هنا، لكان السؤال جيدا، إلا أن السؤال كان كالآتي: "هل تم الإفراج عنك
بناء على شروط وصفقة معينة، أم أفرج عنك لانتهاء عقوبتك؟"، هنا أجاب السجين
بكل أريحية: "أفرج عني لانتهاء عقوبتي"، فلو لم يقدم المذيع خيارات
للسجين، لكان من الممكن أن يتوصل إلى معلومات مهمة حول الصفقة والشروط التي أفرج
عنه وفقا لها.
وهناك الأسئلة المغلقة، وهي التي تكون الإجابة عنها بـ لا أو
نعم، وهذا النوع من الأسئلة قد يكون مفيدا في التحقيقات البوليسية، ولكن لا
يمكن أن يعد سؤالا إعلاميا، إلا في حالات نادرة جدا، وذلك مثلا كما جرى في خضم
الحديث عن زيارة الرئيس المصري السابق، محمد أنور السادات إلى إسرائيل، حيث سأله
المذيع قائلا: سيدي الرئيس، هل ستزور إسرائيل، نعم أم لا؟ في ذلك الوقت كان هذا
السؤال موفّقا، وكان طلب الإجابة بـ نعم أو لا مبررا؛ لأنه من خلال الإجابة سيحسم
الجدل نهائيا حول هذه الزيارة، لكن الأسئلة المغلقة، في معظم الحالات لا تعد أسئلة
جيدة، وأخيرا يمكننا القول أنه كلما وفق المذيع في اختيار الصيغة الأمثل للسؤال،
ظفر بالإجابة المثلى.
التفاعل بين المذيع والضيف في المقابلات
التفاعل من الأمور المهمة في كل مقابلة، إذ إنه من السيئ جدا أن تقتصر
المقابلة على سؤال وجواب، وذلك من دون تفاعل من المذيع مع إجابات الضيف، ويعود
غياب التفاعل في المقابلات إلى تحضير المذيع لقائمة من الأسئلة ،عوضا عن التحضير
بوضع خطة وأهداف ومفاتيح معينة لإدارة المقابلة، فقد تكون الأسئلة جيدة ولا تكون
المقابلة كذلك؛ لأن المذيع قد يرمى أسئلته من دون تفاعل مع الضيف، وكأنه يريد
التخلص من هذه الأسئلة فحسب، مثل قد يستضيف المذيع وزيرا؛ للحديث عن الوضع السياسي
للبلد، ويعطيه هذا الوزير تقييما سلبيا للوضع مضيفا: إذا استمر الوضع على ما هو
عليه، سأقدم استقالتي، في هذه اللحظة لو انتقل المذيع إلى طرح سؤال جديد من دون
التفاعل مع هذه الإجابة، فسيكون ذلك خطأ كبيرا، لأنه من المفترض أن يترك كل
الأسئلة التي حضرها للمقابلة، ويتفاعل مع إجابة الوزير بطرح أسئلة مثل: لماذا
تستقيل؟ أو ما معنى أن تستقيل في هذا الظرف؟ أو لماذا لم تقدم استقالتك
في السنة الماضية حين مرّ البلد بوضع مماثل؟ أو هل هناك وزراء سيقدمون
استقالتهم معك؟ وهكذا، وفي هذه الحالة يجب أن تكون الاستقالة هي محور
المقابلة، ولو تجاوزها المذيع وقام بطرح سؤال آخر سيكون قد تسبب بفشل المقابلة.
التفاعل مع الضيف من خلال أسئلة المتابعة، هو ما يظهر قدرة الإعلامي
على إجراء المقابلات، ويثبت إن كان محاورا جيدا أم لا، فالمحاور الجيد يستمع ولا
يفوت أي نقطة مهمة من رد ضيفه، وخصوصا إذا كان الضيف شخصية سياسية؛ لأن السياسيين
مراوغون ومعتادون على الاجتماعات والحوارات والتفاوض والتلاعب بالإجابات، لذلك
يحتاج السياسي إلى انتباه وتركيز كبيرين من أي محاور.
هذا ومن الأمثلة عن مشاكل غياب التفاعل في المقابلات الإعلامية، استضافة
قناة الجزيرة مرة وزيرا فلسطينيا للحديث عن استقالة محتملة لرئيس الوزراء آنذاك -
في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات - السيد محمود عباس، وكان السؤال: لماذا ينوي
رئيس الوزراء أن يستقيل؟ قال الوزير: "هذا الخبر لا أساس له من الصحة، هذه
مجرد إشاعات لا معنى لها، ورئيس الوزراء لا ينوي الاستقالة"، فكان السؤال
الثاني من المذيع: ماذا لو أصرّ رئيس الوزراء على الاستقالة؟ ولم يكن سؤال
المتابعة هذا موفقا؛ لأن الوزير نفى مسألة الاستقالة من الأساس، ومثال آخر، ففي بداية
عام الألفين ميلادية كان هناك حديث عن نية حركة طالبان تفجير تمثال "بوذا باميان"
الشهير، وقيل إن هناك وفدا من العلماء الباكستانيين، ينوي السفر إلى أفغانستان من
أجل ثني طالبان عن هذا العمل، وكانت المقابلة تستضيف أحد علماء المسلمين في
باكستان، حيث سأل المذيع ضيفه قائلا: ما الهدف الرئيس من هذه الزيارة التي
تنوون القيام بها إلى أفغانستان؟ أجاب الضيف بأنه لا توجد أي زيارة من هذا القبيل،
ولا ينوي علماء المسلمين في باكستان التدخل في هذه القضية، وأضاف: هذه مجرد شائعات
لا أساس لها من الصحة، فكان السؤال الثاني: ما هو جدول أعمال هذه الزيارة؟ ولم
يكن هذا السؤال موفقا؛ لأن الضيف نفي وجود الزيارة، فكيف يسأل المذيع عن جدول
أعمال زيارة لا وجود لها؟!
وهكذا نرى كيف أن أسئلة المتابعة، تظهر ما إذا كان المذيع حاضرا ذهنيا أم لا، ولا يعني هذا أن يكثر المذيع من هذه الأسئلة ليظهر قدرته على إدارة الحوار وعلى حضوره الذهني، فالمتابعة الآلية لإجابات الضيف من خلال الأسئلة التي لا قيمة لها تؤثر سلبا في جودة المقابلة، فالتفاعل مهم جدا، ويظهر قدرة المذيع وحضوره الذهني، إلا أنه يجب أن يبقى في حدود المعقول.