يبين فالح عبد الجبار أن
العراق دخل العصر الدستوري قبل الحرب العالمية الاولى،وذلك من خلال ثورة الإتحاد والترقي 1908 وثورة المشروطة الإيرانية 1906 بكثير من الوجل،أما بعد الحرب العالمية الأولى فقد
أنتج العراق دستوره الخاص بوصفه تفاعل قوى عديدة سياسية واقتصادية وفكرية،حيث جمعت
الدولة العراقية قوى أساسية وهي الجهاز الإداري العسكري البريطاني والنخب الإدارية
العسكرية العراقية التي خدمت في المؤسسات الإجتماعية والأسرة الملكية،وقد مثلت هذه
القوى أيديولوجيات وتقاليد سياسية حضارية متضاربة،فمن المدرسة البرلمانية
الدستورية البريطانية إلى المدرسة القومية العربية ذات النزعة المركزية” الضباط
الشريفيون“ إلى أيديولوجية النسب العربي الشريف (القرشي) إلى أيديولوجية القرابة
والعرف”رؤوساء القبائل “ إلى مدرسة الشريعة الاسلامية” رجال الدين ونقباء العراق“،وبهذا فأن الدستور العراقي إعتمد خلائط من مفاهيم دستورية حديثة وأعراف وتقاليد
مختلفة .
ويرى عبد الغني الدلي أن القانون الأساسي”دستور 1925 “ أخذ بمبدأ فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وأقر ببعض التداخل في الممارسات حسب مقتضيات الظروف المحلية التي تحيط بالأعمال الحكومية،كما وتناول الدستور في الباب الثاني السلطة التنفيذية والبحث في حقوق الملك،وفي الباب الرابع حدد أعمال الوزارة وصلاحية الوزراء ومسؤولياتهم،فيما خصص الباب الثالث للسلطة التشريعية،أما الباب الخامس فكان للسلطة القضائية،حيث ورد في المادة الحادية والسبعين منه ”أن المحاكم مصونة من التدخل في شؤونها“ وجاء في المادة الثانية والستين تأكيد إستقلال القضاء،حيث نصت ”أن الحكام لا يعزلون إلا في الأحوال المصرحة في القانون والنصوص المبينة في شروط أهليتهم ونصبهم ودرجاتهم وكيفية عزلهم“.
وقد جاء في الدساتير العراقية المؤقتة المتتالية 1958، 1964، 1968، 1970 الحرص على النص في إستقلال القضاء،ففي دستور 1958 المادة 23 (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة أو فرد التدخل في إستقلال القضاء أو في شؤون العدالة)،في حين بينت المادة 21 (يتولى مجلس الوزراء السطة التشريعية بتصديق مجلس السيادة).
أما في دستور 1964 المؤقت،نصت المادة 85 (الحكام والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في إستقلال القضاء أو في شؤون العدالة)،وبينت المادة 61 (أن مجلس الأمة هو الهيئة التي تمارس السلطة التشريعية،ويتألف مجلس الأمة من أعضاء يختارون بطريقة الإنتخاب السري العام ويحدد عدد الأعضاء وطريقة الإنتخاب وأحكامه بقانون)،في حين تشير المادة 63 (أن يمارس كل المجلس الوطني لقيادة الثورة ومجلس الوزراء السلطة التشريعية)،كما وتم منح الحكومة في الفصل الثالث صلاحيات شبه مطلقة.
أما دستور 1968 المؤقت المادة 79 تشير إلى (أن الحكام والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في إستقلال القضاء أو شؤون العدالة)،في حين تؤشر المادة 41 (أن مجلس قيادة الثورة هو الجهاز الثوري) الذي قاد جماهير الشعب والقوات المسلحة صبيحة اليوم السابع عشر من تموز سنة 1968،حيث تم منحه في المادة 44 بوصفه أعلى سلطة في الدولة صلاحيات إصدار القوانين والأنظمة وإصدار القرارات التي لها قوة الإلتزام فضلا عن حصانة مجلس قيادة الثورة القانونية،بالإضافة إلى ذلك فقد كان قانون وزارة العدل الذي صدر في 1977/7/27 قد ألغى إستقلالية السلطة القضائية ومنح وزارة العدل الإشراف الكامل على القضاء وأجهزة العدل.
أما منذ العام 2003 فقد حدثت تحولات مهمة في بنية النظام السياسي للأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات،فقد جاء في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية العام 2004 الفصل الصريح بين السلطات (التنفيذية والقضائية والتشريعية) في نظام الحكم الإتحادي (المادة 4)،فضلا على أن القضاء مستقل ولا يدار بأي شكل من الأشكال من السلطة التنفيذية ويضمنها في ذلك وزارة العدل،كما يتمتع القضاء بالصلاحية التامة حصرا لتقرير براءة المتهم أو إدانته وفقا للقانون من دون تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية (المادة 43).
إن الأسس التي قام عليها
قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية 2004 تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات،أي
ضرورة وجود ثلاث سلطات أسياسية في النظام السياسي وهي (السلطة التنفيذية،التشريعية،السلطة القضائية)،حيث تتمتع كل سلطة بصلاحيات وإختصاصات أصلية ومحددة في
القانون،فضلاً عن إستقلالها النسبي في عملها وفي آليات إتخاذ القرارات،كما ولا يجوز
قانونياً إستئثار هذه السلطات بصلاحيات مطلقة في تنفيذ الوظائف المناطة بها.
أما دستور 2005 الدائم لعام 2005 فقد نص على مبدأ فصل السلطات،حيث أكدت المادة 1 أن جمهورية العراق دولة إتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة ونظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني)،في حين نصت المادة 5 أن السيادة للقانون،والشعب مصدر السلطات وشرعيتها،كما ونصت المادة 47 على أن السلطات الإتحادية تتكون من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أن تمارس إختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.
وتتكون السلطة التشريعية الإتحادية من مجلس النواب ومجلس الإتحاد،حيث يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق،يمثلون الشعب العراقي حيث يتم إنتخابهم بطريق الإقتراع العام السري المباشر ويراعي تمثيل سائر مكونات الشعب فيه،في حين تحدد المادة (61) إختصاصات مجلس النواب وهي :
-أولا: تشريع القوانين الإتحادية.
-ثانيا: الرقابة على أداء السلطة التنفيذية.
-ثالثا: إنتخاب رئيس الجمهورية.
-رابعا: تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والإتفاقيات الدولية.
-خامسا: الموافقة على تعيين كل من:
أ ـ رئيس وأعضاء محكمة التمييز الإتحادية ورئيس الإدعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي بالاغلبية المطلقة بناء علي أساس إقتراح من مجلس القضاء الأعلى.
ب ـ السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة بإقتراح من مجلس الوزراء.
ج ـ رئيس أركان الجيش ومعاونوه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ورئيس جهاز المخابرات.
-سادسا:
أ ـ مساءلة رئيس الجمهورية بالاغلبية المطلقة
لعدد أعضاء مجلس النواب.
ب ـ إعفاء رئيس الجمهورية بالاغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب بعد إدانته من المحكمة الإتحادية العليا في إحدى الحالات الاتية :
ب ـ إعفاء رئيس الجمهورية بالاغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب بعد إدانته من المحكمة الإتحادية العليا في إحدى الحالات الاتية :
. 1-الحنث في اليمين الدستورية
. 2-إنتهاك الدستور
. 3-الخيانة العظمى
أما الفصل الثاني من الدستور
فيحدد السلطة التنفيذية،حيث أن السلطة التنفيذية الإتحادية تتكون من رئيس
الجمهورية ومجلس الوزراء،وتمارس صلاحياتها وفقا للدستور والقانون حسب منطوق المادة
66 .
فيما أن الفصل الثالث المادة 87 تحدد طبيعة السلطة القضائية بوصفها مؤسسة مستقلة وتتولاها المحاكم على إختلاف أنواعها ودرجاتها،كما وتحدد المادة 88 أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون،ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة.
في حين تتكون السلطة القضائية الإتحادية من مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الإتحادية العليا ومحكمة التمييز الإتحادية وجهاز الإدعاء العام وهيئة الإشراف القضائي والمحاكم الإتحادية الاخرى.
كما وتحدد المادة 91 صلاحيات مجلس القضاء الأعلى في :
-أولا: إدارة شؤون القضاء والإشراف على القضاء الإتحادي.
ثانيا: ترشيح رئيس وأعضاء محكمة التمييز الإتحادية ورئيس الإدعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي،وعرضها على مجلس النواب للموافقة على تعيينهم.
ثالثا: إقتراح مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية الإتحادية،وعرضها على مجلس النواب للموافقة عليها.
وأخيرا فإننا نلحظ أن الفصل بين السلطات في النظام السياسي العراقي الحديث هو فصل مرن وليس فصلا مطلقا،حيث أن التشريع بمراحله المختلفة تشترك فيه السلطتان التشريعية والتنفيذية.