أرسطو وتفسيره لنشأة الدول ونظم حكمها
نشأة الدولة عند أرسطو
على الرغم من أن أرسطو كان تلميذ أفلاطون النجيب إلى أنه أختلف معه في
أسباب نشأت الدول،حيث أرجعها أفلاطون إلى حاجة الأفراد إلى إشباع رغبات مادية من
خلال التجمع مع بعضهم البعض ليشكلوا الدولة،وهي وحدة مثالية مجردة ليس للأفراد فيها وجود مستقل،أما أرسطو
فأرجع نشأت الدولة إلى الأسرة التي تمثل الوحدة الإجتماعية الأولى وبالإعتماد على
التطور التاريخي بدءا من كون الإنسان كائن إجتماعي يجتمع مع المرأة وينتج النسل الذي يكون الأسرة
ومنها العائلة ثم العشيرة والقبيلة ومنها إلى قرية فتكبر وتشكل الدولة،وهذا هو
تفسير نظرية التطور العائلي وليس نظرية العقد الإجتماعي،حيث لا يوجد عقد في نظرية
التطور العائلي بل هو شيء طبيعي من حيث
التطور والإرتقاء،ويعتمد أرسطو في ذلك على أن الإنسان كائن سياسي،حيث أنه يملك
العقل الذي يساعده في التفكير وهذا ما يميزه عن غيره من الكائنات التي يشترك معها
في الغريزة والتكاثر،ونستنتج من ذلك إن
الدولة أسمى من الفرد والعائلة وأن الإنسان هو أول الحيونات وسيدها وذلك بإتباع
القوانين التي من خلال الإلتزام بها يحقق الفضيلة والعدالة،أما من دون القوانين
فيصبح الإنسان آخر الكائنات بل وأكثرها فسادا وإفتراسا .
ويتفق أرسطو وأفلا طون من حيث أن هدف الدولة هو التربية الخلقية
للصغار وتعليم الفضيلة وإشاعة العلم وتوفير حياة كريمة وجيدة للمواطنين وذلك من
خلال العدل في المجتمع ويكون ذلك في حالة
السلم،أما في حالات العدوان والحروب والإحتلال للدول فقد إستنكرها
وإستهجنها ولكنه أباح ذلك لليونانيون الذين كان يعتبرهم هم الوحيدون الأسياد والذين لهم الحق في السيطرة
والتملك،أما البقية من غير اليونانيون فهم عبيد لا يحق لهم شيء،فهم كالدواب لا عقل
لهم وعليهم الطاعة والخضوع للأوامر ولا فضيلة لهم،وإن تحل البعض منهم بصفات
حميدة فيكون مصدر ذلك روح أسيادهم .
وقد رأى أرسطو أن رب العائلة سواء كان زوجا أو أبا أو سيدا أو ملكا فهو الذي يأمر دون المرأة،وكلما كان الشخص أكبر وأكمل فإنه يأمر الأصغر والأنقص،وهو بذلك يخالف أستاذه
أفلاطون الذي دعا إلى المساوة بين الرجل والمرأة في المجال السياسي والعسكري،أما
أرسطو رأى أن الرجال قوامون على النساء وأن الرجل يجب أن يعامل زوجته كما يعامل
القاضي المواطنين في الحكومة الجمهورية وأن يعامل أولاده كم يعامل القاضي المواطنين في الحكومة الملكية وذلك من خلال المحبة والإحترام،وقد أرجع أرسطو أن الإختلاف بين الرجل والمرأة وبين السيد
والعبد إلى الطبيعة،حيث أنه يولد البعض حرا والبعض الآخر مسخر للطاعة فتنشأ من
ذلك الطبقية .
نظام الدولة لدى أرسطو
كان أرسطو كغيره من فلاسفة اليونان يعتقد أن
النظام السليم والراقي يتحقق من خلال دولة المدينة التي يجب أن تتوفر على العناصر
التالية حتى تحقق المطلوب منها:
1-توفير كافة المواد الغذائية 2-توفر أدوات وآلات الفنون 3-توفير السلاح والعتاد العسكري للدفاع 4- وجود إحتياطات من الثروات والعناصر المختلفة للحالات الطارئة في الحروب 5-وجود العنصر الديني من خلال الكهنة 6-وجود مرافق عامة 7-وجود رجال للقضاة.
1-توفير كافة المواد الغذائية 2-توفر أدوات وآلات الفنون 3-توفير السلاح والعتاد العسكري للدفاع 4- وجود إحتياطات من الثروات والعناصر المختلفة للحالات الطارئة في الحروب 5-وجود العنصر الديني من خلال الكهنة 6-وجود مرافق عامة 7-وجود رجال للقضاة.
كما ويجب أن يكون للمدينة موقع إستراتيجي وذلك من حيث أن يكون ملائما للصحة وأن يستقبل
أشعة الشمس من الشرق ويكون له منفذ على الجنوب لأن برده أيسر،وأن تكون المدينة
منظمة من الداخل حتى يؤدي السكان وظائفهم بسهولة وأن تكون محصنة ومحمية من
الإعتداءات الخاريجية،كما ويجب العمل على تطوير وسائل الدفاع بإستمرار كما ويشترط أن لا
تكون المدينة كبيرة وعدد سكانها كبير بحيث يصعب تنظيمها وأن لا تكون صغيرة وعدد
سكانها قليل فلا يمكن لها عند ذلك أداء مهامها وواجباتها،بل يجب أن تكون متوسطة وأن
يكون هناك تناسب بين مساحتها وسكانها حتى يعرف السكان بعضهم من خلال الصدقات
والأخوة وأيضا حتى لا يختل نظامها،وللمحافظة على عدد سكان أي مدينة من التزايد كان
الإغريق يعتمدون على تحديد النسل من خلال الإجهاض وإعدام المشوهين والضعاف من
الأطفال .
وكان يرى أرسطو أن نظام دولة المدينة هو أرقى
النظم السياسية لأنه يحقق السعادة للمواطنين وآمالهم وطموحاتهم،أما نظام
الإمبراطوريات فهو نظام فاسد لأنه يضم وحدات وعناصر غير متجانسة لا يجمعها مبدأ أو هدف واحد،وأما من خلال دولة المدينة فقد أيدا أرسطو نظام التمييز القانوني والإجتماعي الذي كان
سائدا عند الإغريق في وقته،حيث كان هناك أجانب ومواطنين فالأجانب لا يشاركون في
الحياة السياسية ولا يملكون حق المواطنة،أما المواطنين فكان عددهم محدود،ولكي
يشاركوا في العملية السياسية وجب توفر فيهم الشروط التالية:
1-أن يكونوا ذكور بلغوا سنا معينا وليسو من الإناث،وكان السن عامل مهم حيث أن كبار السن يتولون الحكم والشباب يطيعوا حتى ينضجوا.
2-أن يحملوا الجنسية الأثينية،بحيث يكونوا من
أبويين وجدين من أثينا.
3-أن يكون المواطن حرا وليس عبدا،لأن العبيد
مسخرين لفلاحة الأرض.
4-أن يكون المواطن من أصحاب الأملاك بحيث
يكون في سعة من العيش لا يحتاج من خلالها للعمل اليدوي ويتفرغ للعلم والفضيلة،ومن
جهة أخرى أن لا يملك كثير من المال بحيث يلهيه عن الواجب العام،ولهذا لم يكن
التجار والصناع من المواطنين.
نظم الحكم عند أرسطو
كان لأرسطو عقلية تحليلية ساعدته على تقسيم
نظم الحكم إلى ثمانية عشر نظاما مختلفا،كما وساعده أيضا كتابه الدساتير الذي ضم
158 دستور دولة مختلفة،حيث أعتمد في تقسيماته على معيارين هما:
1-معيار عددي أي أن السلطة قد تكون في يد فرد واحد أو أقلية محدودة أوالأغلبية.
2-معيار كيفي وهو من حيث كيفية الحكم،فإذا كان الحكم بالقوانين وللصالح العام فهوا حكم صالح،أما إذا كان الحكم دون قوانين ولخدمة مصالح شخصية فهوا حكم فاسد.
1-معيار عددي أي أن السلطة قد تكون في يد فرد واحد أو أقلية محدودة أوالأغلبية.
2-معيار كيفي وهو من حيث كيفية الحكم،فإذا كان الحكم بالقوانين وللصالح العام فهوا حكم صالح،أما إذا كان الحكم دون قوانين ولخدمة مصالح شخصية فهوا حكم فاسد.
وقد جمع أرسطو المعيارين العددي والكيفي،فتوصل إلى ستة أنظمة من الحكم ثلاثة صالحة وثلاثة فاسدة وهي:
1-الأنظمة الصالحة:
أ-النظام الملكي ويكون الحكم فيه فردي وفقا للقانون وللصالح العام.
ب-النظام الأرستقراطي ويكون الحكم فيه
للأقلية المتميزة وفقا للقانون وللصالح العام.
ج-النظام المختلط أو الدستوري والحكم فيه للأغلبية وهو النظام
المثالي لأرسطو.
2-الأنظمة الفاسدة:
أ-النظام الإستبدادي ويكون الحكم فيه فردي ودون التقيد بالقوانين ولخدمة المصالح الشخصية.
ب-النظام الأوليجاركي ويكون الحكم فيه
للأقلية الغنية ودون التقيد بالقوانين ولخدمة المصالح الشخصية.
ج-النظام الديمقراطي وهو حكم الأغلبية
الفقيرة ضدّ الطبقة الغنية.
ويجدر الذكر أنه يمكن أن يختلط أكثر من نظام
حكم ويكونوا نظام جديد،حيث تختلف درجة صلاحيته أو فساده من خلال مدى قربه أو بعده عن
الأنظمة الستة من حيث الصلاح أو الفساد،كما وقد يجمع الصفتين معا فيكون النظام الجديد صالح في بعض عناصره وفاسد
في البعض الآخر وهذا هو الغالب في الأنظمة،ويتم التفريق بين النظام الصالح
والفاسد على أساس أخلاقي من خلال التحلي بالفضيلة والعدالة قدر الإمكان في الحكم.
وقد وجد أرسطو أن نظام الحكم الأمثل هو
النظام الدستوري الذي يجمع بين النظامين الديمقراطي والأوليجاراكي،لأنه وجد أن النظام الملكي ليس نظام طيب لأنه
لا يمكن الضمان أن الفرد الحاكم سوف يحكم
بالعدل والفضيلة بدلا من الطيش والهوى والمصالح الشخصية ولأنه أيضا نظام وراثي فقد
يحكم فرد جاهل أو مجنون الدولة،أما النظام الأرستقراطي ففيه نفس المشكل من حيث أن الأقلية الحاكمة قد
تحكم وفقا للأهواء والمصالح الشخصية بدلا من المصلحة العامة،لهذا كان النظام الدستوري
الأفضل للحكم،ولتحقيق ذلك وجب إتباع الوسائل التالية:
1-الأخذ بالحل الوسط في المبادئ المتعارضة في النظامين المكونين.
2-الجمع بين وسائل النظامين لإختيار الحكام.
3-مشاركة الأغنياء والفقراء في الجمعية العمومية
لمناقشة شؤون الدولة المختلفة.
وأخيرا فإن نظام أرسطو المثالي هو دمج عناصر
من النظامين الديمقراطي والأوليجاركي لتكوين النظام المختلط الدستوري الذي يحفظ
التوازن ويحقق الإنسجام بين المبادئ المتعارضة بأخذ الحل الوسط بينهما،والحل الوسط يأتي عن طريق الطبقة المتوسطة
الصالحة
التي لم يفسدها الغنى الفاحش أو يحطمها الفقر المطقع .
وقد نبه أرسطو أن النظام المثالي يختلف من دولة إلى أخرى بإختلاف البيئة والظروف
الجغرافية والإقتصادية والإجتماعية وطبيعة الشعب وأخلاقه،فقد يكون لدولة نظام
مثالي ولكنه لا يصلح لغيرها لظروف خاصة بها .
وقد صدقت مقولة كارل بوير عن نظام أرسطو
المختلط وهي أن نظامه يجمع مثالية أفلاطون وأفكار ديمقراطية وملكية موزونة.