تفسير نشأة الدول من خلال النظرية الدينية
النظرية الدينية
تعتبر هذه النظرية من أقدم
النظريات التي فسرّت نشأت الدولة،وهي
تعتبر الدولة نظام إلهي أي أن السلطة فيها قادمة من عند الله،لهذا يجب تقديسها وطاعتها،وقد تطورّت هذه النظرية مع مرور الزمن وزيادة الوعي لدى الإنسان ونضج تفكيره،فقد
كان للساحر والمشعوذ في العصور الأولى مكانة كبيرة لأنه كان صلة الوصل بين الناس
والقوى الخفية والغيبية التي تدير مناحي حياتهم المختلفة حيث كان يحدد الأوامر
والنواهي،ومن ثم تحولت السلطة من الساحر إلى الكاهن ثم إلى تطبيق إرادة الآلهة في كل
تصرفات الإنسان،وكانت هذه هي السلطة السائدة في المدن القديمة والتي أعتمد عليها الملوك
في أوروبا في القرنين السلدس والسابع عشر لمماراسة السلطة المطلقة،كما وقد أقرّتها
المسيحية في البدء ثم حاربتها.
هناك ثلاث صور لهذه النظرية هي:
1-تأليه الحاكم
2-الإختيار المباشر للحاكم من خلال التفويض الإلهي الخارج عن إرادة
البشر
3-الإختيار غير المباشر للحاكم
الناشئ عن العناية الإلهية
1-تأليه
الحاكم
سادت هذه النظرية في العصور الأولى عندما كان الإنسان الأول يعتمد
على القوى الخفية طلبا للعون وسعيا للأمن والطمأنينة ثم أصبح المجتمع بعد ذلك يعتمد على
الأساطير والرهبنة،فأختلطت السلطة السياسية بالدين والعقائد مما أضفى عليها قدسية،فأصبح الحاكم والزعيم إله يجب طاعته والخضوع له وحتى تقديم القرابين له،وهذا ما كان
سائد عند الرومان وموجود في اليونان واليابان والهند ومصر.
ففي مصر الفرعونية كان يعتبر فرعون أنه يأتي من أصلاب الألهة أو أنه
إله كما كان في عهد الأسرة الرابعة والخامسة،لهذا يجب طاعته و تقديم القرابين له،حيث
أن العبادة هي عبادة فرعون،وهذا ما جعل فكرة الملكية الإلهية متأصلة في الفكر المصري،حيث أستغلتها الأسرات الأولى لدعم حكمها،وهذا ما خلق صراع بين الملكية المصرية وحكومة الكهنة.
وفي الهند كانت قوانين مانوا القديمة تمنح سلطات دينية للملوك من الإله الأكبر براهما،حيث يجب طاعتهم و تقديسهم،وفي اليابان كان الميكايدو أي الملك ينظر إليه أنه الله حتى بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية.
وفي المدن الرومانية كان الحال نفسه،ففي روما كان النظام ملكي مطلق
حيث كان الملك رئيس الديانات ويضع القوانين ويطبقها،إلاّ أن هذا الشيء أختفى في العصر
الجمهوري وعاد في العصر الإمبراطوري،حيث كانت ديانة الإمبراطور هي الديانة الرسمية
للدولة،كما وكانت تقام للملك الشعائر
الدينية وعند موته يصبح إله وتصبح عبادته ديانة الدولة الجديدة،وبهذا فإن تأليه الحاكم يجعله مقدسا ووجب طاعته وعدم
مخالفته،فهو بذلك لا يمكن مناقشته أو نقده أو توجيهه.
2-نظرية التفويض الإلهي الخارج عن إرادة البشر
تذهب هذه النظرية إلى أنّ من يحكم الدولة سواء كان ملكا أو حاكما (السلطة
السياسية) تستمد شرعيتها وسلطتها من الله أو ما يسمى القوة العليا،وقد سادت هذه
النظرية في الفكر القديم،حيث كان يعتقد أن
الأمبراطور في الصين يستمد سلطته من السماء وأن له السلطة المطلقة،كما وكان يساعده مجلسان،الأول مجلس أعيان وهو من الأمراء والأرستقراطين والثاني يتكون من
خيرة رجال الدولة وهو مجلس الوزراء.
وجاء في الديانة اليهودية أن الله هو مصدر السلطة وهو من يستطيع نزعها،وفي الديانة المسيحية كان ما يقوم به الحاكم من إكراه وعقاب هو بسبب الخطيئة الأولى،لهذا يجب دائما طاعته إلاّ عند مخالفه تعاليم الكنيسة،حيث قال بولس أن جميع الناس يجب خضوعهم للسلطات العليا لأن الله وضعها في يد الملوك وأن للسلطة الإلهية سيفان 1- سيف السلطة الدينية الذي وضعه الله في يد البابا 2- سيف السلطة الزمنية الذي وضعه الله في يد الأمبراطور،وهذا ما دعى إليه كثير من رجال الكنيسة ومنهم القديس بييروامبرواز وبول والبابا ليون الثالث عشر.
وجاء في الديانة اليهودية أن الله هو مصدر السلطة وهو من يستطيع نزعها،وفي الديانة المسيحية كان ما يقوم به الحاكم من إكراه وعقاب هو بسبب الخطيئة الأولى،لهذا يجب دائما طاعته إلاّ عند مخالفه تعاليم الكنيسة،حيث قال بولس أن جميع الناس يجب خضوعهم للسلطات العليا لأن الله وضعها في يد الملوك وأن للسلطة الإلهية سيفان 1- سيف السلطة الدينية الذي وضعه الله في يد البابا 2- سيف السلطة الزمنية الذي وضعه الله في يد الأمبراطور،وهذا ما دعى إليه كثير من رجال الكنيسة ومنهم القديس بييروامبرواز وبول والبابا ليون الثالث عشر.
وفي القرنين السادس والسابع عشر تطورت النظرية في إنجلترا وأخذت شكل
الحق المقدس للملوك،أما في فرنسا فكان
عصرها الذهبي في القرنين السابع والثامن عشر،حيث ساد المثل القائل أن ملك فرنسا لا
يستمد ملكه إلا من الله وسيفه وذلك في إشارة
لمعارضة السلطة الدينية قليلا،فالويس الرابع عشر ذكر في مذاكراته أن سلطة الملوك
مستمدة من الله وهم مسؤولون أمامه وحده لا من الشعب،وكان الحال كذالك في ألمانيا
حيث رددها غليوم الثاني.
كما وإعتمادا على هذه النظرية فقد أعطيت السلطة السياسة قداسة دينية مما أدى
إلى إستبداد الملوك بشعوبهم حيث برروا سلطتهم المطلقة،لأنهم كانوا غير محاسبين إلى من الله،ولكن ما لبثت إن تلاشت هذه
النظرية بسبب يقظة الشعوب و ظهور أفكار حديثة.
3-نظرية التفويض الإلهي الناشيء عن العناية الإلهية
ترى هذه النظرية أن الله لا يختار الملوك بإرادته مباشرة،ولكن العناية
الإلهية توجه الأحداث والأفراد لإختيارهم،وكان من أنصارها بوسوية وبونالد وجوزيف دى
مستر،وتعلل هذه النظرية سلطة الحاكم وتتسع للديمقراطية المستمدة من إرادة الله،وبذالك
يمكن أن يستبد الحاكم بالسلطة لأنه يستمدها من الله .
أما بعد إنهيار الإمبراطورية الرومانية
في القرن الخامس أصبحت الكنيسة
مسيطرة على المسحيين،فأدى ذلك إلى سيطرتها على السلطة الزمنية،حيث أصبح البابا
يسيطر على الحاكم،ولكن مع الزمن إنحسر دور الكنيسة لعوامل عدة منها إقتصادية وإجتماعية وفكرية.
أهم ما أخذ على هذه النظرية
1-صلحت هذه النظرية في عصور الجهل ولا تصلح في عصر العلم والعقل والفكر
المستنير،حيث الإعتماد على الدين يخرج عن إطار البحث العلمي.
2-أصبح الإعتماد اليوم على العقل والفكر،أما الإيمان فيكون في الجانب
الروحي فقط.
3-لم تقرها الأديان السماوية سواء الإسلام الذي جمع بين الدين والدولة
أو المسيحية التى فصلت بينهما.
وأخيرا فإن هذه النظرية ظهرت
في عصور أختلط فيها الدين بالسياسة،حيث كان الحاكم ملك وكاهن،ولكن في الوقت نفسه بينت هذه النظرية أهمية عامل الدين في تطور الدولة وبروز عامل
الأخلاق في السياسة.