أهم ثلاث عوامل تؤثر في الإتصال السياسي
العوامل المؤثرة في الإتصال السياسي
1-خصائص النظام السياسي
يعد المناخ السياسي السائد في المجتمع وخصائصه من
العوامل الهامة والمؤثرة في الإتصال السياسي،والذي يمثل رؤية السلطة السياسية
لدور المواطن ومدى توافر التنظيمات الحزبية والشعبية والمجالس النيابية المختلفة،بالإضافة لرؤية السلطة للنظام الإعلامي،لهذا فإن المشاركة التي تمارس في المجتمعات الغربية
ترتبط بالإطار الدستوري والمؤسسي،والذي يشمل التعدد الحزبي،الجماعاات المصلحية،حرية
الثقافة،البرلمان وأجهزة الحكم المحلي وغيرها.
وإن الأحزاب السياسية تقوم بدور هام في تحديث المجتمعات
وترشيد ممارسات السلطة السياسية وجعل المجتمع أكثر قابلية للمشاركة في صنع
القرارات العامة وزيادة دور الرأي العام،وكلما تعددت الأحزاب زادت الفرص للإختيار
بين برامج وسياسات متباينة،حيث يسعى كل حزب للحصول على تأييد الأغلبية من أفراد المجتمع
لبرامجه وسياساته في الإنتخابات العامة،حتى يتمكن من تولي السلطة التي تتيح له
تنفيذ برنامجه الإنتخابي.
كما ولقد أصبحت المشاركة الشعبية الكبيرة في عملية إتخاذ
القرار السياسي هدفا إجتماعيا مهما في النظم الديموقراطية،حيث يرتبط ذلك بشكل وثيق
بإنتشار المعارضة وجماعات العمل الجماهيري والمشاركات السياسية غير التقليدية
وصولا إلى مشاركة أكثر فاعلية في العملية الديموقراطية،خصوصا أن الديموقراطية تمثل
المرحلة التي يكون فيها لجميع المواطنين نصيب من السلطة.
ومع أهمية الدور السياسي للأحزاب السياسية إلا أنه بدأ يضعف تدريجيا،وذلك بسبب تراجع التفاعل الجماهيري مع هذه الأحزاب السياسية،نتيجة لإضافة قضايا
جديدة إلى جدول الأعمال السياسية وللصعوبات التي واجهتها الأحزاب العريقة في تعاملها مع القضايا،بالإضافة إلى
الخصائص المتغيرة للجماهير المعاصرة وخاصة بعد الإنتشار الهائل لمصادر المعلومات
والتعليم،والذي أدى بدوره إلى تكوين مجتمع قادر على التعامل مع تعقيدات السياسة
وإتخاذ القرارات السياسية الخاصة بكل فرد من أفراده،ولكن مع تضاؤل الولاء التقليدي
للأحزاب والجماعات أصبحت القضايا أساسا أكثر أهمية للسلوك الإنتخابي،كما أن مشكلة
تراجع ثقة أفراد المجتمع بالمؤسسات السياسية والقاادة السياسيين،وضع قيود إضافية
على الأنظمة الديمقراطية.
وأخيرا فإن إختلاف أنظمة الحكم وتوجهاتها نحو وسائل
الإعلام وإتساع قاعدة المشاركة في إتخاذ القرارات أو إنحسارها ومستوى الديموقراطية
في الدول،بالإضافة إلى إختلاف القوانين المحددة لدور وسائل الإعلام والحاكمة
لطريقة عملها،كل هذه العوامل وغيرها أثرت في الإتصال السياسي،كما أن مفهوم
الديموقراطية في النظم الإعلامية المختلفة ذو طابع جدلي نتيجة للتفسيرات المختلفة
لتطبيقاته،والتي تتمثل في التعددية والتنوع وإختلاف السياقات الإجتماعية والسياسية
التي يعمل في إطارها،بالإضافة إلى الخلافات الحادة على مفهوم الحرية في دساتير
النظم المختلفة،حيث أن كل جهة أو طرف أو مؤسسة أو غيرها تتجه نحو التفسير الذي
يعبر عن مصالحها ويحفظها.
2-طبيعة
النظام الإعلامي
لقد أصبحت وسائل الإتصال أحد المكونات الأساسية للجهاز
السياسي للدولة المعاصرة،حيث تستخدم كأداة للبناء والتحول الحضاري والسياسي،كما وتعمل
على ربط الجماهير وتنويرها بحقائق التحول وتسهم في دعم جهود وتوجيهات الدولة
والقيام بالوحدة الوطنية وتوسيع آفاق المواطن ودفعه نحو المشاركة السياسية ونقله
من المحليات الإقليمية الضيقة إلى آفاق قومية وعالمية.
وتقوم وسائل الإعلام بتوسيع الحوار بين الساسة
والمحكومين وتعريف الأفراد بالسياسات والإجراءات الرسمية،كما أنها تعمل على نقل
تصوراتهم للسلطة الحاكمة،إلا أن نظرة الدولة إلى وسائل الإتصال تتباين بحسب طبيعة
وفلسفة النظام السياسي القائم وموقفه من وسائل الإتصال وتصوره لوظيفتها ودرجة
الحرية الممنوحة لها،حيث تخضع وسائل الإعلام والإتصال لمجموعة من العوامل والضغوط
والقوانين المتمثلة بالدستور والقوانين الحكومية،ومن أبرزها (قانون المطبوعات و
قانون الملكية الفكرية- التي تكفل الحقوق والحريات أو تقوم بتقنين التراخيص أو
تفرض الرقابة- والقوانين واللوائح المنظمة للمؤسسات الإعلامية).
ولكن هناك عوامل في وسائل الإعلام تؤثر على المضمون
الإعلامي فيها وطبيعته،وأهمها نمط الملكية ومصادر التمويل ونمط الفكر الإداري
والتنظيمي الذي تتبناه المؤسسات الإعلامية وتوجهات السياسة التحريرية ومستوى تأهيل
القائمين عليها ونمط العلاقة بين القائم بالإتصال ومصادر المعلومات والأخبار،بالإضافة إلى تقنيات
الإتصال المتاحة في المجتمع وأسلوب معالجة الأخبار والمعلومات،حيث أن النظام
السياسي يسعى للتأثير على كل ما سبق من العوامل لتخدم أهدافه ومصالحه.
كما أن تأثير العملية الإتصالية يتوقف في الأساس على آداء
وكفاءة عناصر الإتصال،كما أنه وعلى ضوء ما يتوفر لدى القائم بالإتصال من مهارات
وكفاءات في الآداء يتوقف مصير العملية الإعلامية برمتها،ومن أهم العوامل الفاعلة
التي تؤثر على الكفاءة الإتصالية والآداء المهني للعاملين بالمؤسسات الإعلامية هي:
مستوى المعلومات المتوفرة لديهم،التجارب العملية،مواقفهم إزاء المواضيع السياسية
المطروحة،مدى علاقاتهم بالمؤسسة الإعلامية وتوجهاتها السياسية وتصورهم للجمهور
المتلقي،حيث كلما زادت نسبة الإتفاق بين القائم بالإتصال والجمهور حول ما يطرح من
أفكار ومواضيع زاد الفهم المشترك بينهما،وكلما صممت الرسالة لتلائم خصائص وظروف
المجتمع وتلبي إحتياجاته وتتفق مع المستوى الإدراكي والقيمي له،كانت أكثر تأثير
فيه،وذلك مع الأخذ بعين الإعتبار أن ما سبق من عوامل تختلف من مجتمع إلى آخر ومن وسيلة
إلى أخرى وفقا لفلسفة الإتصال وسياسته السائدة (مدى الحرية الممنوحة للإعلام)،ومن
نمط ملكية إلى آخر ووفقا لتوجهات الجهة القائمة على الملكية وتصوراتها حول طبيعة الدور
السياسي الذي يجب أن تمارسه وسائل الإتصال في المجتمع.
3-العوامل
الثقافية والإجتماعية والإقتصادية
هناك علاقة تفاعل متبادلة بين نظام الإتصال والنظم
الإقتصادية والسياسية والإجتماعية،حيث أن متغيرات البيئة تحدد فاعلية وكفاءة
عملية الإتصال،كما ولا يمكن فهم نظام الإتصال وفاعليته دون فهم وضعه في إطار النظام
الإجتماعي والسياسي والإقتصادي ودون معرفة النسيج الإجتماعي والمعتقدات الثقافية
التي يعمل من خلالها،خصوصا أن الأيديولوجية تشكل المصدر الأساس للمبادئ العامة
لسياسة الدول.
فقد آشار د سنالي ليربز إلى فكرة التوظيف الكفء لكل
مكونات النظام الإجتماعي والتي تؤكد على أن أي فشل أو نجاح لأحد مكونات النظام
الإجتماعي يؤثر على النظام كله،كما أشار إلى أن عدم إدراك الدول النامية لذلك قد
تسبب في إثارة كم هائل من التوقعات والرغبات يفوق إمكانيات تحقيقها،مما آدى إلى
ظهور مفهوم مضاد لذلك وهو ثورة الإحباطات المتزايدة.
وتعد الأمية وبخاصة في الدول النامية بسبب إنخفاض مستوى
الدخل العام والخاص فيها،واحدة من أخطر معوقات الإتصال السياسي في المجتمع،نظرا
للآثار السلبية التي تترتب عنها ومنها عدم إدراك الفرد الأمي للمشكلات السياسية
والإجتماعية التي يعاني منها المجتمع،وبالتالي لا يدرك الدور الذي ينبغي له القيام
به للمساهمة في إيجاد حل لهذه المشاكل،كما وتعمل الأمية على حرمان كثير من أفراد
المجتمع من كثير من المهارات التي تمكنهم من المشاركة في الحياة العامة والإهتمام
بمختلف القضايا والحوار حولها ومتابعة الأحداث الجارية والإنضمام إلى التنظيمات
الرسمية أو غير الرسمية،بالإضافة إلى أن الفرد الأمي لا يعي ولا يدرك معنى ومغزى
القرارات السياسية التي تتخذ على المستوى المحلي أو القومي ولا يتعامل معها كما
يجب،لدرجة أنه قد ينعدم لديه الإحساس بأهميتها مما قد يدفعه إلى إتخاذ موقف سلبي
تجاه الحكومة أو تبني قيم ومعتقدات وأنماط سلوكية سلبية.
في حين أن الأفراد الأكثر تعليما هم أكثر معرفة بالأنشطة
الحكومية ويمكنهم المشاركة في الأنشطة السياسية،كما ويلاحظ أنه كلما إرتفع مستوى
تعليم أفراد المجتمع إرتفع مستوى المشاركة السياسية للجماهير وتعددت حاجاتهم
وطموحاتهم وإزدات الرغبة لديهم لإشباعها وسارعوا للمشاركة في مختلف أنشطة مجتمعهم
السياسية والإجتماعية والثقافية،حيث تقوم وسائل الإتصال بأدوار مهمة لأداء الدولة
وتوفير قنوات للمشاركة السياسية الشعبية في القرارات الحكومية،وهذا بدوره يساعد
على تنمية الإحساس بالواجب الوطني والتفكير بالمصلحة العامة والشعور بالمسؤولية
والكفاءة والثقة بالنفس.
كما أن هناك دور مهم لنوع التعليم وما يتضمنه من الطريقة
التي تتم بها العملية التعليمية ذاتها،وما إذا كانت هذه الطريقة تقوم على التلقين
والحفظ أو تقوم على التفكير والبحث والعمل الجماعي الذي ينمي لدى الأفراد مهارات
متنوعة كالقرءة والتحليل وفهم القضايا والأحداث السياسية والإجتماعية ومتبعتها من
خلال وسائل الإتصال والتفاعل معها وتكوين الآراء عنها وعن مختلف الموضوعات العامة،وبالتالي القدرة على التأثير في صنع القرار.
كما إننا نلاحظ هنا أن للظروف الإجتماعية من عدد السكان ومستوى
التعليم السائدة في المجتمع،بالإضافة إلى العوامل الإقتصادية (دخل الفرد)،تأثيرا
كبيرا على فاعلية الإتصال السياسي وذلك بشكل طردي،كما أن الوعي السياسي يتطلب
التعليم والخبرة،وهذا لا يتوفر كثيرا في الدول النامية،حيث ترتفع نسب الأمية بسبب
الوضع الإقتصادي المتدهور فيها،فلذلك يميل الأفراد في هذه الدول إلى تحاشي التفاعل
مع قضايا المجتمع السياسية والإجتماعية وتجنب السلطة.
وأخيرا فإن للتراث الثقافي والحضاري وأيديولوجية المجتمع
من خلال القيم والعادات والتقاليد والأعراف السائدة فيه،تأثير كبير على السلوك
الإنساني،فهو بذلك يختلف من مجتمع إلى آخر (من بلد إلى آخر) وذلك من خلال تباين خلفيات
المشاركين من مستوى اللغة ودرجة الذكاء والسن والنوع والطبقة والعرق،وكل هذه
الإختلافات تؤدي بدورها إلى إتجاه الرسالة نحو التشتيت والتغيير وفقدان المعلومات
في العملية الإتصالية والتأثير في درجة فعاليتها.