قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تاريخ الحرب النفسية

تاريخ الحرب النفسية
الحرب النفسية

إن الحرب النفسية هي أخطر أنواع الحروب،حيث أنها حرب تغيير السلوك وميدان هذه الحرب هو الشخصية،وهي تستخدم علم النفس بصفة عامة وعلم النفس العسكري بصفة خاصة لإحراز النصر،وتعتبر الحرب النفسية أضمن سلاح تستخدمه الدول في الحرب الحديثة،لأنها تقوم بالدور الفاعل في قتل إرادة الخصم وتحطيم معنوياته والحصول على إستسلامه.

لقد إختلفت تعريفات الحرب النفسية وذلك حسب الغاية التي تسعى إليها،كما وتطور مدلولها على مر السنين وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية،حيث وردت الحرب النفسية لأول مرة في مؤلف للكاتب الألماني (الكولونيل بلاو) والصادر عام 1935 والذي كان رئيسا للمعمل النفسي بوزارة الدفاع،كما ووضع في هذا المؤلف أسس الحرب النفسية،وقد شاعت عبارة الحرب النفسية خلال الحرب العالمية الثانية من قبل دول الحلفاء والمحور على حد سواء،حيث كانت هذه العبارة تعبر عن الدعاية المبنية على الإستفادة من دروس علم النفس،وكان أول من إستخدم هذه التسمية بصفة رسمية في أمريكا هو الكاتب (بول لاينبارجر) في كتابه (الحرب النفسية في ألمانيا) في عام 1954 ثم الكاتب (دانيل يدنز).

ومن بين أول التعريفات للحرب النفسية في الجيش الأمريكي هي (إستخدام أي وسيلة بقصد التأثير على الروح المعنوية وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين)،ومن ثم تم تعريف الحرب النفسية في معجم المصطلحات الحربية للجيش الأمريكي بأنها (إستخدام مخطط من جانب الدولة في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ لإجراءت دعائية،بقصد التأثير على آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعات أجنبية عدائية أو محايدة أو صديقة،بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها)،ولكن عدل هذا التعريف في الطبعة اللاحقة للمعجم بحذف العبارة (في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ) وذلك لأن مجال الحرب النفسية لا يقتصر على هذه الأوقات فقط.

كما إن عمليات الحرب النفسية قد تكون قصيرة المدى أو بعيدة المدى،وأنواع نشاطها القصير المدى يشمل ما يلي:

 أ-الدعاية الإستراتيجية. ب-دعاية القتال. ج-نشر الأخبار. د-خداع العدو بطريقة منظمة ومحكمة. ه-الدعاية السرية.

أما الحرب النفسية بعيدة المدى،فتتضمن نشر الأنباء بطريقة مستمرة وبوسائل شتى،وذلك بغرض مساعدة السياسة الخارجية للدولة ورفع سمعتها والحصول على العطف والتأييد.

ومن الأسماء المتعددة للحرب النفسية (الحرب العقائدية) (حرب الأعصاب) (الحرب الباردة) (حرب الأفكار) (التسميم السياسي) (الحرب السياسية وهي تسمية بريطانية)،وأخيرا فإننا نلاحظ أن تعريفات الحرب النفسية تتخذ صورا كثيرة في الحياة المعاصرة وخاصة بعد الصراع العقائدي بين الشرق والغرب،وهذا ما يجعل تعريفاتها تتسع وتضيق حسب الغاية المرجوة منها وحسب المواقف والعلاقات الدولية.


أهداف الحرب النفسية

1-تحطيم إيمان الخصم بعقيدته السياسية.
 2-تحطيم الوحدة النفسية للخصم العقائدي.
 3-رفض الدعاية أو حملة مخالفة.
 4-إستغلال بعض إنتصارات الطرف المهاجم وإتخاذ النجاح الذي لم يستطع الخصم الوصول إليه،وسيلة لإضعاف الثقة في عقيدته التي لم تسمح له بمثل هذا النجاح.

وأخيرا فإن لتحقيق ما سبق من أهداف يلجأ الخصم إلى وسائل مختلفة،وقد ساعدت وسائل الإتصال الحديثة في ذلك مثل الدعاية والشائعة،كما أنه ليس من الضروري نجاح الخصم في أهدافه بل قد تؤدي الدعاية إلى عكس ما يراد لها،وخاصة إذا كان الخصم أمة داعية مؤمنة بمبادئها ومحصنة ضد الحرب النفسية الموجهة من عدوها،حيث أن روحها المعنوية عالية بإيمانها وثباتها على الحق.


الحرب النفسية قبل الإسلام

إن ظاهرة الحرب النفسية ليست جديدة،فمنذ أقدم العصور عرف قواد المعارك أهمية إطلاق الشائعات لإضعاف الروح المعنوية وخلق صورة من الإرتباك،والتي كثيرا ما توجد عدم الثقة بالنفس والإيحاء مقدما بالهزيمة،ومنه يكون نصف المعركة قد تم دون إراقة أي نقطة دم،كما وإن إستخدام القادة للخداع والحيل المختلفة لإثارة الفتن وتفريق المجتمعات والظهور بمظهر القوة لإرهاب الآخرين،هو أسلوب قديم في الحرب النفسية،ولكنه مازال هو نفسه في الوقت الحاضر،إلا أن الوسائل ترقت وتعددت بوجود وسائل الإعلام المتعددة المسموعة والمرئية والمكتوبة،وقد كان أهم هدف تسعى إليه الحرب النفسية قديما وحديثا هو زرع الخوف في نفوس الأعداء والخصوم،حيث أن إنفعال الخوف متعلق بغريزة حب الحياة وكراهية الموت،كما يترتب على الخوف الهرب من المعارك وغيرها من عدم الشعور بالأمن والإستقرار والحياة بقلق دائم.

لذلك كان من نعم الله تعالى على قريش حتى وهم مشركون نعمة الأمن من الخوف لأنهم أهل الحرم،كما أن من نعم الله تعالى على المؤمنين نعمة الأمن بعد الخوف،كما كان ذلك في الإستجابة لدعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام عقب بناء البيت وتطهيره (الكعبة)،وبالمقابل أذاق الله عز وجل الكافرين والظالمين لباس الجوع والخوف،وبما أن القرأن الكريم أصح مرجع موجود بين أيدينا،فسوف نذكر بعض القصص القرآني التي تدل دلالة واضحة على تأثير الخوف في النفوس التي لم يكتمل إيمانها بعد،ومن أهمها:

- قوم سيدنا موسى عليه السلام في فترة من فتراتهم،وذلك عندما أمرهم موسى بدخول الأرض المقدسة والقتال فيها،ولكنهم رفضوا ذلك خوفا من سكانها الجبارين،وردوا على سيدنا موسى بقولهم (يا موسى إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون)،وهنا نلاحظ الخوف الموجود والساكن في نفوسهم،وذلك لأنه عندما يضعف الإيمان يضعف الإنسان تجاه أعدائه ويتحكم به الخوف فيجبن ويولي الأدبار،مؤثرا السلامة المؤقتة على السعادة الأبدية والأمان الزائف على النصر والعزة .

-وفي المقابل نجد أن الحرب النفسية تصبح كلمات جوفاء بوجود الإيمان الصادق والعزيمة الثابتة،ففي قصة أصحاب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قبل واقعة بدر الكبرى،وذلك عندما هددهم أبو سفيان وأبو جهل بالتعذيب والقتل،إلاّ أن ذلك كله لم يرهب صحابة رسول الله،بل أنهم قالوا (يا رسول الله إمض لما أراك الله ونحن معك مقاتلون).

-أما في قصة سيدنا موسى مع فرعون،فقد وجدت بعض أسلحة الحرب النفسية ومن هذه الأسلحة:

1-الدعاية والإدعاء الكاذبان،حيث على الرغم من ظلم فرعون مصر وجبروته وإستعباده للناس،فإنه كان يرى أنه على حق وأنه يهدي قومه سبيل الخير والرشاد والصلاح،وهذا هو حال كل طغاة اليوم.
2-مقابلة الحق والهدى بالضلال والخداع والسحر،حيث قابل فرعون الحقائق الإلهية ومعجزات سيدنا موسى بسحر خادع للعيون وأوهام تخيلية قام بها سحرته لإرهاب الناس وصرفهم عن الحق،وما يقابل هذا في وقتنا الحالي هو خداع الرأي العام بالشعارات البراقة التي لا مضمون لها،وذلك لصرف الناس عن الحق والحقيقة.
3-التخويف والإرهاب ويكون ذلك بإدخال الخوف والرعب في نفوس الناس،وهذا ما فعله فرعون عندما هدد وتوعد السحرة الذين آمنوا بسيدنا موسى .

ولكن ورغم كل ذلك فإن الإيمان أقوى من كل حرب نفسية أو مادية،كما أنه الصخرة التي تقف في وجه الطغاة.

-أما قصة سيدنا يوسف عليه السلام،فإن من ملامح وأشكال الحرب النفسية فيها هي :

1-المكر والخديعة،حيث كان ذلك بإظهار إخوة يوسف الحب والنصح ليوسف أمام أبيهم،وهم في الحقيقة قلوبهم مليئة بالكره والحقد تجاهه،كما أنهم أرادوا إبعاده عن أبيه حتى تخلو لهم الساحة.
2-الظهور بمظهر البريء من الذنب لإبعاد التهمة عن أنفسهم.
3-إلصاق التهم الباطلة بالآخرين (الدعاية السوداء الكاذبة) وهذا ما فعلته إمرأة العزيز تجاه سيدنا يوسف عندما حاولت إغوائه،لكته أبى وإستغفر ربه.
4-الشائعة وسرعة إنتشارها في المجتمع،وكان ذلك بإنتشار شائعة أن إمرأة العزيز تحب فتاها (سيدنا يوسف) في مصر وخصوصا بين نساء المدينة.
5-التهديد والإرهاب للضغط على الآخرين،وهذا ما قامت به إمرأة العزيز عندما إنتشر خبرها في المدينة،حيث كانت مصرة على تحقيق رغباتها ومتوعدة لسيدنا يوسف دون أي حياء أو حشمة.

وأخيرا فإننا نلاحظ  أن كلمة الملاء التي ورد ذكرها في القرآن عدة مرات،وإن كانت تعني الأشراف والكبراء وأهل الرأي،ولكنها تعبر عن الرأي العام (حديثا) أو من يمثل الرأي العام الكافر في عهد الأنبياء عليهم السلام،حيث أن هذا الملاء وقف دائما في صراع مع أنبياء الله ومع المؤمنين بهم،كما أنهم شنوا شتى أنواع الحرب النفسية على الأنبياء،فالملاء مع سيدنا نوح إتهموه بالضلال والكذب وسخروا منه وقللوا من شأنه لنزع هيبته بين الناس،أما الملاء مع سيدنا صالح فظهروا بصورة المتكبرين والمجاهرين بكفرهم الأقوياء على المؤمنين الضعفاء،أما ملاء سيدنا شعيب فقد هددوه بالنفي إن لم يرجع عن دينه الذي يدعو له هو ومن آمن به وكذلك هددوا آتباعه بالهلاك والخسران،في حين أن الملاء مع سيدنا موسى وهم أتباع وشركاء فرعون،فقد عملوا على الإفتراء والكذب والمؤمرة والهم بالقتل والإستكبار والفساد في الأرض وإتهام موسى بالسحر وتشجيع فرعون على قتل سيدنا موسى بحجة الإفساد في الأرض.

وهذه كانت صورة من صور الرأي العام الكافر وموقفه من أنبياء الله وأتباعهم من المؤمنين،كما أن من الصور الأخرى للحرب النفسية هي حرب العقيدة وهي قديمة قدم التاريخ،ومن قصص الحق في ذلك،قصة الراهب والغلام التي قصها الرسول عليه الصلاة والسلام على الصحابة الكرام،ليظهر لهم مقدار صبر المؤمنين في سبيل الله ومقدار ما تعرضوا له من تهديد وتخويف وتقتيل،وأن كل ذلك لم يردهم عن دينهم الحق،حيث تعبر قصة الراهب والغلام عن روح الطواغيت في كل زمان ومكان،هذه الروح التي لا تطيق رؤية من يخالفها في عقائدها الباطلة ولا ترغب في التخلي عن إستعباد عباد الله،كما أنها تلجأ لمختلف أساليب التخويف والتهديد والإرهاب في معاملة من يخالفها لكي تحافظ على عقيدتها ونظامها الفاسدين.


الحرب النفسية في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)

إن ما تعرض له الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين والمنافقين والكفار واليهود،يعد أشد ما تعرض له صاحب دعوة،كما أن الأشكال التي أستعملت في محاربته تعددت من حرب مادية إلى حرب نفسية وذلك في مختلف مراحل الدعوة.

المرحلة المكية

أسلحة الحرب النفسية التي إستعملها المشركين في هذه المرحلة هي:

1-الدعاية الكاذبة والتكذيب،حيث قامت قريش بتسفيه الرسول وتكذيبه،كما أنهم آذو الرسول بالشعر والسحر وإتهموه بالكهنة والجنون،وهذا كان حال جميع الرسل والأنبياء،بالإضافة إلى أنهم كانوا يستخفون بصلاة المسلمين ويعيبون عليها ويسفهونها،وقد كان الرد على كل هذا الكذب والبهتان من خلال القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
2-السخرية والإستهزاء،وكان ذلك لإسقاط هيبة سيدنا محمد وأصحابه والعمل على تمييع الحقائق وإبعاد الناس عن إحترامها والتفكير فيها،وذلك من خلال الإستهزاء بأيات الله تعالى.
3-التشهير والشتم،حيث كانت قريش تشتم وتسب الرسول لتقليل من شأنه وإظهار ضعفه أمام الناس.
4-التعتيم والتشويش،حيث أن قريش كانت تعمل على التعتيم على القرأن الكريم بعدم سماعه والإنصات إليه حتى لا يؤثر فيهم،وذلك برفع الأصوات والتصفيق والضوضاء.
5-التيئيس والتعجيز،فقد كانت قريش تلاحق الرسول في كل مكان يذهب إليه لنشر دعوته،وتعمل على تنفير الناس من حوله وتبعدهم عن الإستماع لكلامه،كما أنها كانت تطلب أشياء تعجيزية شرطا لإيمانهم.
6-الضغط العائلي،فقد عمدت قريش على الإستعانة بعم الرسول أبو طالب حتى يردعه عن دعوته وعن تسفيه أصنامهم،وذلك لما كانت له مكانة عند الرسول،ولكن رسول الله لم يستجب لوساطة عمه على الرغم من محبته الكبيرة له،لأن دعوة الرسول هي دعوة لله وتكليف إلهي.
7-الإغراء بالمال والملك،فلقد عرضت قريش الأموال بكافة أشكالها والملك على الرسول في سبيل إغرائه للرجوع عن دعوته وإيمانه.
8-المقاطعة الإقتصادية والإجتماعية،حيث قررت قريش مقاطعة الرسول إقتصاديا وإجتماعيا،بحيث لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعونهم شيئا ولا يشترون منهم،حتى يضغطوا على الرسول وصحابته ليستسلموا،ولكن ذلك لم يزدهم إلا صلابة وثبات على الحق.
9-الإرهاب والتآمر،حيث عملت قريش على تعذيب وإرهاب الرسول وأتباعه حتى وصل بهم الأمر لمحاولة قتله.
10-السجن والتعذيب،فبعد يأس قريش من الرسول وأتباعه بدأت بإتباع أسلوب السجن والتعذيب،فعذبت بلال وآل ياسر وقتلة أم عمار وغيرهم الكثير.

المرحلة المدنية

واجه الرسول في هذه المرحلة الحرب النفسية من جبهتين،هما جبهة المنافقين وجبهة اليهود،حيث كانت الغاية من حربهما معا على الرسول محمد ما يلي:

1-هزيمة الرسول وأصحابه في قتالهم مشركي قريش.
2-القضاء على الدعوة وتمكين المشركين واليهود من التسلط على المدينة.

-وقد كان سلاح كل من المنافقين واليهود في هذه الحرب هو:

1-إثارة الشائعات المختلفة حول الرسول وأهله،وذلك لإزالة قدسية الدين،ومن ثم إظهار الرسول بمظهر الإنسان العادي.
2-الدعايات الكاذبة وإستخدام الشعر للتشهير بالرسول وأصحابه.

أولا: جبهة المنافقين

بعد قيام المجتمع الإسلامي في المدينة وأصبح للمسلمين قوة ودولة،أخذت ظاهرة النفاق تبرز على السطح،حيث لم يكن هناك نفاق في مكة،لأن الإسلام كان ضعيفا وكما هو معروف لا ينافق إلا القوي،وقد كان سلاح المنافقين في حربهم النفسية ما يلي:

1-الدعاية الكاذبة،وذلك حتى يفتتوا الصف المسلم ويضعفوه أمام خصومه،فهم ظاهريا أسلموا حتى يبقوا بين المسلمين وفي صفوفهم،ولكن في الحقيقة هم يصدوا عن سبيل الله ويتأمروا مع الأعداء والخصوم على الإسلام والمسلمين،ومن أهم ثلاث مواقف للمنافقين تبين دعايتهم الخبيثة هي:

أ-موقف المنافقين قبل غزوة الأحزاب،حيث كان دورهم التثبيط عن الجهاد وخلخلة الصف المسلم.
ب-موقف المنافقين أثناء معارك المسلمين ومنها غزوة أحد،وذلك حين أشاعوا أن الرسول قد قتل في المعركة وذلك بعد أن كسرت رباعيته وشجّ وجهه الشريف،وهذا أثر في نفوس بعض المسلمين مما جعلهم يتوقفوا عن القتال،حتى إنجلت الحقيقة وإتضح كذب هذا الخبر وأن الرسول بخير وهو حي يرزق.
ج-موقف المنافقين في غزوة أحد وذلك عندما تخاذلوا وخافوا على أنفسهم من القتل،وذلك حتى يثبطوا المسلمين عن الجهاد بحيث يؤدي ذلك إلى الهزيمة في المعركة.

2-الشائعة،حيث نشر اليهود والمنافقين العديد من الشائعات التي كانت تهدف لهدم الدعوة وقدسيتها في نفوس المسلمين،وقد كانت أخطر وأكبر شائعة تعرض لها الإسلام والمسلمين هي حادثة الإفك التي كانت من أشد التجارب قسوة في التاريخ الإسلامي.

ثانيا: جبهة اليهود

عندما هاجر الرسول إلى المدينة حاول أن يتألف قلوب اليهود،فعقد معهم المعاهدات وأحسن معاملتهم ولكن اليهود قابلوا هذه المعاملة بالمثل ظاهرا،ولكن قلوبهم كانت تفور بالحقد والحسد وخاصة وقد بعث النبي من غيرهم،كما كانوا يضمرون الشر للرسول وأصحابه وتأمروا وحرضوا عليه وعلى المؤمنين معه،حتى أنهم تحالفوا مع المشركين والمنافقين في سبيل النيل من المسلمين وتخريب الأحزاب على الرسول.

كما أن اليهود نقضوا وأخلوا بكل عهودهم،وذلك إبتداءا بعهودهم مع الله على يد أنبيائهم،كما أنهم نقضوا العهد مع الرسول في أحرج الظروف وأحلك المعارك،وهذا ما صنعته بنوا قريضة في يوم الأحزاب ومحاولة طعن جيش المسلمين من الخلف،كما حاولت بنو النضير إغتيال الرسول عندما كان يوما في ديارهم،حيث حاولوا إلقاء صخرة عليه بينما كان جالس إلى جنب جدار لهم،ولكن الله تعالى نبه رسوله الكريم من مكرهم،وبالإضافة إلى ذلك فقد كان من أساليب اليهود أسلوب التزييف والتحريف والجدل العقيم،وقد أصبح كل هذا موجود في تركيبتهم الخلقية والنفسية،حيث أن العهد عند اليهود ضرورة مرحلية يعقد لأجلها،ثم ينقض بإنتهاء ضروراته ومنفعته.


الحرب النفسية في الحرب العالمية الأولى

في هذه الحرب تحولت الحرب النفسية من وسيلة عرضية إلى أداة عسكرية  رئيسية،حتى أعتبرت أنها السلاح الذي كسب الحرب،وقد كان من أهم أسلحة الحرب النفسية الفتاكة (الدعاية)،حيث تطورت الدعاية في هذه الفترة لتصبح علما من العلوم التي تقوم على أسس عامة،كما أنه قد أعيد تنظيم الدعاية بعد الحرب من قبل الحلفاء،بحيث أنشأوا إدارة للدعاية ضد العدو من خلال تكوين لجنة مؤلفة من عدة دول أبرزها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا.

وقد كانت الدعاية البريطانية نشطة منذ بدء الحرب عام 1914،بحيث كانت تهدف لتحقيق غايات ثلاث هي:

أ-أن تقنع أبناء البلاد في الداخل بعدالة قضيتهم في الحرب من خلال:

1-أن الإعتداء الألماني على بلجيكا لم يكن إلا إعتداء القوي على الجار الضعيف.
2-نشر الروايات المتعلقة بقسوة الألمان ووحشيتهم وإشاعتها في بريطانيا.
3-إعلان الألمان عدم إعترافهم بأي قواعد قانونية حربية وإستعمالهم للغازات السامة في الحرب.

ب-إقناع الدول الصديقة والمحايدة بأن النصر سوف يكون حليفها،وكان ذلك بتحويل الرأي العام الأمريكي بشكل خاص،حيث كانت الدعاية مركزة عليه،لأنه كان الأمل في المستقبل للإنتصار على الألمان،وفي هذه النقطة إتبعت الدعاية الإنجليزية الحذر والحكمة والطرق العلمية المنظمة لمحو الشكوك التي ساورت الأمريكيين عن موقف الحلفاء،مع العلم أن كثيرا من الأمريكيين ناصروا الألمان في بداية الأمر وأعتبروا أنه لا حق لبريطانيا في محاصرة الموانئ الألمانية لأن في ذلك مخالفة لحرية البحار،وهكذا أعد الخبراء الدراسات الخاصة بالصحافة الأمريكية دون إزعاج للقارئ الأمريكي العادي،بحيث تجنبوا المغالاة وأظهروا الحقائق عن أعمال الألمان دون تدخل ظاهر ودون القيام بمحاولات عنيفة لكسب الرأي العام الأمريكي.

كما ساعدت الدعاية الألمانية في نجاح الدعاية البريطانية،حيث أنها وقفت موقف المدافع للرد على دعايات الحلفاء،وهذا نوع سيء من الدعائية لأنه يذكر المستمع أو القارئ برأي العدو،كما إن محاولة الرد على هذه الدعايات حملت الناس على الظن بأن الألمان يحاولون إستثارة عطف الأمريكان والعالم،وهكذا إستطاعت وكالات الأنباء البريطانية والحليفة أن تتوصل إلى نتائج بعيدة المدى في كسب الرأي العام في مناطق كثيرة من العالم إلى جانب الحلفاء.

ج-إلقاء مشاعر اليئس والقنوط في قلوب الألمان،وكان ذلك بتوجيه الدعاية إلى العدو عن طريق إعتمادها على المطبوعات والنشرات التي تلقيها الطائرات على صفوف الأعداء،وقد كانت هذه النشرات تحتوي على حقائق ولكن ليس كل الحقائق،وغايتها من ذلك كانت كسب ثقة الأعداء،وبالإضافة إلى ذلك فقد كان هناك جواسيس داخل بلاد العدو ساعدوا على نشر النشرات وكتابة الشعارات العدائية على الحوائط ونشر الشائعات التي تفتت الأعداء،وكانت هذه الوسيلة الوحيدة للنشر قبل إختراع المذياع.

وقد نجحت هذه الدعاية وصدقها الناس،وبتكرارها أكثر من مرة وإنتشارها بين الناس أصبحت حقيقة لا شك فيها،كما كان للصحافة دور كبير أيضا وذلك بتضخيم الأخبار والمبالغة فيها حتى أيقن الناس بصدق الشائعات،وهذا مما عبأهم نفسيا للقتال ضد العدو الألماني،وهكذا نجحت دعاية الحلفاء في تحقيق أهدافها الثلاث،وهذا مما إضطر الألمان إلى الجنوح للسلم بعد أن صار موقفها الحربي في غاية السوء مما هدد بوقوع كارثة.


الحرب النفسية ما بين الحربين

في هذه الفترة لم تبرز إلا الحرب النفسية لألمانيا النازية في داخل ألمانيا وفي خارجها،حيث تم إستخدام سلاح الدعاية بشكل منظم وعلمي،وقد كان هتلر نفسه يشرف على الدعاية (كانت من صنع يديه)،ومن أهم النقاط التي ركزت عليها الدعاية داخل ألمانيا وركز عليها هتلر للإعداد للحرب العالمية الثاني هي:

1-تأكيد الذات والثقة بها،وذلك عن طريق الدعاية بأن الجيش لم يهزم وأن الهزيمة كانت بسبب عوامل أخرى غير إندحار الجيش،بالإضافة إلى ترديد الشعارات المعبرة عن قوتهم ووحدتهم.
2-الخوف من المستقبل،وذلك بتأكيد روح العداء للدول المجاورة.
3-التأكيد على أن الرجل الألماني هو الرجل الأسمى والأفضل والبطل الذي لا يقهر،وأن ألمانيا هي الأفضل علميا وصناعيا وعسكريا،لهذا تخاف منها وتعاديها الدول الأخرى.

أما في خارج ألمانيا فقد كانت الدعاية نشطة جدا،حيث كان أعظم سلاح للدعاية الألمانية في هذه الفترة هو المذياع،وقد أعتبرت ألمانيا أول دولة إستطاعت أن تنظم الدعاية بأسلوب علمي والتي كان يشرف عليها الدكتور (جوبلز) وزير الدعاية في عام 1939 قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية،أما عن توجه الدعاية الخارجية فقد كانت توجه إلى الألمان الموجودين في الخارج حتى تزيد فيهم الإحساس بولائهم لوطنهم،وثانيا توجه إلى الأعداء اللدودين لألمانيا (فرنسا وبريطانيا)،وقد كانت تتسم الدعاية في الفترة بين 1933-1939 بالطابع العدواني،أما أثناء الحرب فتميزت بالطابع الدفاعي وذلك للرد على النشاط المتزايد للدعاية المضادة.


الحرب النفسية في الحرب العالمية الثانية

لقد كان للإذاعة دور مهم في هذه الحرب وذلك من خلال دول الحلفاء والمحور على حد سواء،وقد سميت هذه الحرب بحرب الإذاعة،وفي ذلك الوقت حققت الدعاية الألمانية ثلاث إنتصارات هي:

1-في المجال السياسي جعلت كتلة كبيرة من الرأي العام الدولي ترى أن مستقبل العالم متوقف على الإختيار بين الفاشية والشيوعية.
2-في المجاال الإستراتيجي جعلوا كل ضحية تبدو أنها هي الضحية الأخيرة.
3-في الميدان النفسي أستخدموا الذعر الكامل،حيث جعلوا الشعب الألماني يخشى من تصفية الشيوعية له،كما إستخدموا أفلام عمليات الحرب الخاطفة لضم الجماعات الحاكمة في دول أخرى وتحطيم معنويات الأمم الأخرى،وذلك بإبقائها دائما في حالة شك وعدم يقين مما يمكن أن يحدث لها لاحقا،وهذا ما سمي بالإنهيار العصبي.

ونظرا لأهمية الحرب النفسية من وجهة نظر الألمان،فقد أنشأ هتلر لها وزارة خاصة بالدعاية والتنوير أو الإرشاد تحت قيادة الوزير جوزيف جوبلز،بحيث تم إستخدام الطريق السطحي في إقناع الجمهور المستهدف وذلك من خلال مخاطبة عواطف الناس وتكرار بعض الشعارات،كما ولم تكن هذه الدعاية تهتم بالمبادئ الأخلاقية معللة ذلك بأن أهم أهداف هذه الدعاية هو تحقيق الإنتصار الكاسح،وهذا ما كانت تذهب إليه الدعاية النازية،ومن أهم المبادئ المستخدمة في الدعاية النازية  هي:

1-غربلة وتصفية المادة المراد إرسالها وذلك حتى تحقق الهدف النفسي منها،وقد تم ذلك من خلال السيطرة على أجهزة الإعلام المختلفة ووسائل الإتصال الجماهيرية (تلفاز،إذاعة،معارض،مهرجانات) وغيرها،بحيث لا يصل للناس إلا المعلومات المراد لها أن تصل (المصفاة والمغربلة).
2-إقناع الناس أن إنجلترا تعاني من عدم الإستقرار السياسي بالإضافة إلى أزمة إقتصادية طاحنة.
3-عرض الأفلام التي توضح إتفاق الشعب مع هتلر وسياسته.
4-خلق صورة من مشاعر العظمة والسمو لدى الشعب الألماني،وذلك بإقناع الناس بأن للنازيين أصولا ثقافية وعرقية قوية في الماضي،حتى يقتنعوا بقوة النازية.
5-تكوين جماعات من الشبية الموالية لهتلر وللنازية،حيث كانوا يرتدون القمصان البنية كشعار لهم ليتميزوا عن الآخرين.
6-الإستفادة من حالة الخوف والإحباط التي كان يعاني منها الألمان بعد الهزيمة في الحرب العالمية الأولى،ولذلك إبتكر هتلر فكرة أن اليهود هم من تسببوا في خراب الإقتصاد الألماني وإمتصاص مصادره،وبذلك توحد الألمان معا وطردوا اليهود.
7-إستخدام الإذاعة لإضعاف معنويات العدو،وقد إستخدم النازيون واليابانيون بعض الخونة من الإنجليز في الإذاعة لتحقيق ذلك،بالإضافة إلى إسقاط المنشورات والكتيبات والأوراق والصور من الطائرات على أراضي العدو.
8-إثارة حرب الأعصاب من قبل الألمان على شعوب الدول المعادية،وذلك بالإدعاء أن الأقليات الألمانية الموجودة في هذه الدول،قد تم القبض عليها وأن الجيش الألماني على إستعداد للرد الصارم على ذلك،وكانت حرب الأعصاب هذه تضعف العدو وتجعله في حيرة وتردد وإنقسام على نفسه.
9-تصوير هتلر على صورة الأب العطوف والقائد الكفء والمحارب الفذ،وأنه الوحيد القادر على حل مشاكل الأمة الألمانية.

في المقابل رد الحلفاء على هذه الدعاية بدعاية أخرى مضادة،فإستخدمت بريطانيا الإذاعة في حربها الدعائية على أساس أنها موضوعية وتقدم الحقائق (تتلاعب بالحقائق لتخدم مصالحها)،وقد كان دور الإذاعة البريطانية كبيرا في هذه الفترة وخاصة فيما يتعلق بالرد على الدعاية النازية،بحيث كانت تعرض المسائل بأكثر حيوية،كما عملت على إحراج الزعماء الألمان بإستمرار،وذلك بإظهار مبالغاتهم وعدم تمسكهم بأقوالهم وعدم الوفاء بوعودهم حتى تحط من شأن العدو،كما إستطاعت الإذاعة البريطانية بأساليبها الملتوية إكتساب الألمان أنفسهم للإستماع إليها،وذلك بإذاعة أسماء االأسرى الألمان وذكر بيانات عن صحتهم والإصابات التي تعرضوا لها.

ولم تكن الإذاعة البريطانية وحدها في ميدان الحرب النفسية،فقد كانت هناك الإذاعة الفرنسية تعمل في هذا الجانب إلى أن سقطت في يد الألمان،وأيضا كانت هناك الإذاعة الأمريكية التي تعاونت مع الحلفاء منذ عام 1942 وكانت ترسل من داخل الأراضي الأمريكية،حتى تم إنشاء محطة إرسال بعد غزو النرويج في عام 1944 والتي سميت بإسم (محطة الإذاعة الأمرييكية لدول أوروبا) وقد إتخذت من لندن مقر لها.

ولم يقتصر الحلفاء على الإذاعة وحدها في ميدان الحرب النفسية،فإستخدمت بريطانيا المطبوعات والمنشورات التي تشير إلى زيادة في قوة الحلفاء والسخرية من الحزب النازي والتهكم على وعود قادته للشعب الألماني بالنصر والتي أثبتت الأيام كذبها،كوسيلة قيمة للدعاية وقد سميت هذه الطريقة في وقتها (بحرب القصاصات)،كما وزادت قيمة هذه القصاصات بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب وتوحيد جهود الدعاية،وكان ذلك بإنشاء منظمة مشتركة لهذا الغرض سميت بلجنة الشؤون النفسية للشؤون الحربية،ومن هنا صارت المطبوعات في خدمة الغايات العسكرية المباشرة،وقد وزعت هذه المنشورات والمطبوعات لكي تلائم مادتها الجمهور الذي توجه إليه،والتي كانت تختلف بإختلاف جنود الدولة المستهدفة وطبيعته،حيث كان الهدف منها هو بث اليأس في قلوب جنود الأعداء وحملهم على الهرب أو الإستسلام لأن مصيرهم سيكون الموت حتما،مستخدمين لذلك براهين مختلفة لإقناع الجنود بذلك وأن النصر النهائي هو من نصيب الحلفاء،ومن هذه البراهين أن الإستسلام في هذه الظروف ليس عارا مخزيا،كما أن من حق الجندي المستسلم حسن المعاملة المكفولة له بمقتضى إتفاقيات جنيف الدولية،وقد كان لهذا أثر نفسي كبير في جنود الأعداء مما دفع العديد منهم إلى الإستسلام من معسكرات الإيطاليين في دول شمال إفريقية.

وأخيرا فإن الحرب النفسية إستخدمت من دول الحلفاء والمحور في الحرب العالمية الثانية،وذلك عن طريق إستخدام سلاح الدعاية بواسطة الإذاعة والنشرات،والتي كان لها أثر فعال ومؤثر في نفسية الجنود على كل طرف وهذا ما تصبوا إليه كل حرب،ولهذا إستخدم الصهاينة صور من الحرب النفسية ضد العالم العربي والإسلامي من قبل إحتلال فلسطين وحتى الوقت الحاضر،كما أستعملت الحرب النفسية بعد الثورة المصرية عام 1952 من خلال ما يسمى بالدعاية الرمادية (تمجيد الحاكم والقضاء على الخصوم)،وقد كانت الإذاعة هي الوسيلة الإعلامية الفاعلة في هذا المجال،حيث كانت تعمل على تلميع الحاكم بالمشاريع الخيالية والإحصاءات الكاذبة والأعمال البطولية،وكان الهدف من ذلك التأثير على سلوك الأفراد وتزييف وعيهم حتى يصبح الحاكم هو الفرد الوحيد الملهم في الشعب،كما أستعملت الحرب النفسية في حرب الخليج الأولى عام 1991 بين كل من قوات التحالف الأمريكية والجيش العراقي وبعدها في غزو العراق عام 2003،وأستعملت في الحرب ضد أفغانستان حتى من قبل الضربات الأمريكية على الشعب الأفغاني،وأخيرا فإن من أبرز صور الحرب النفسية هو ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في العالم مستغلة أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 لضرب الإسلام والعرب بحجة الإرهاب وغيرها من الأمور للسيطرة على العالم.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart