قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الدعاية ودورها في الحرب النفسية

 الدعاية ودورها في الحرب النفسية
الدعاية

إن لكلمة دعاية مفاهيم مختلفة ويرجح علماء اللغة أن الأب جريجوري هو أول من إستخدم الدعاية،وذلك عندما أسس جمعية الدعاية المقدسة عام 1622 للتبشير فيما وراء البحار،كما أن هذا المفهوم لا يختلف عن المفهوم الذي إستحدثه المعز لدين الله الفاطمي في مصر عندما أسس وظيفة داعي الدعاة وقد سبق في ذلك الأب جريجوري بأكثر من ستة قرون،والحقيقة أن ورود كلمة دعاية بمفهوم الدعوة كان قبل ذلك بكثير،وذلك حين ذكرها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في رسالته إلى هرقل ملك الروم وكذلك في رسالة النبي إلى المقوقس عظيم القبط،وهكذا نلاحظ أن الدعاية بمفهوم الدعوة كان الإسلام والمسلمين السباقين في إستعمالها.

إن مفهوم الدعاية بمعنى الدعوة لا يختلف عن المفهوم الحديث للدعاية أو البروباجنده التي هي بالإنجليزية وتعني التنشئة والتنمية،والتي مفهومها نشر الآراء والعادات ونقلها من شخص لآخر ومن جيل إلى الذي يليه،ولكن المعاصرين حددوا مصطلح الدعاية ووضعوا له أسس وأهداف ووسائل،ومنه إصطبغت الدعاية بصباغ الأكاذيب لتلميع الأراء والأفكار الخبيثة،وهكذا إنحط مفهوم الدعاية من مفهوم قائم على الإقناع والوضوح لمادتها إلى مفهوم قائم على السيطرة على السلوك والغموض والإيحاء والظفر بتأييد الجماهير بأي ثمن وبأي وسيلة،وهذا كله جعل صورة الدعاية تنقلب من صورة جميلة قائمة على الخير والصدق إلى صورة قبيحة قائمة على الشر والخداع وعدم الأمانة،وأخيرا فإن مفهوم الدعاية يختلف من بلد إلى آخر،ففي الإتحاد السوفياتي كان يرى الشيوعيون أن التعليم والدعاية شيء واحد وأن الدعاية ليست إلا توضيح عميق لكتابات ماركس وأنجلز ولينين.


تعريف الدعاية

للدعاية تعريفات عدة منها أن الدعاية هي (نشر معلومات (حقائق أو مبادئ أو مجادلات أو شائعات أو أنصاف حقائق وأكاذيب) وفق إتجاه معين من جانب فرد أو جماعة،في محاولة منظمة للتأثير في الرأي العام وتغيير إتجاه الأفراد والجماعات بإستخدام وسائل الإعلام والإتصال بالجماهير) ومن هذا التعريف نستنتج أن :

1-معنى الدعاية هو نشر للمعلومات.
2-مادة الدعاية هي الحقائق أو المبادئ أو الأكاذيب.
3-هدف الدعاية هو تغيير إتجاه الأفراد والجماعات.
4-وسائل الدعاية هي وسائل الإعلام والإتصال بالجماهير من تلفزيون وإذاعة وصحافة وغيرها.

ومن تعريفات الدعاية أنها (فن التأثير والممارسة والسيطرة والإلحاح والتغيير والترغيب لقبول وجهات النظر والأراء أو الأعمال والسلوك)،وعرفها آخر بأنها (هي النشاط أو الفن الذي يحمل الآخرين على سلوك مسلك معين ما كانوا يتخذونه لولا ذلك النشاط)،ومن هنا فإن القضية ليست قضية نشر معلومات فقط وعرضها دون الإهتمام بالأسلوب الذي يجب أن تبث به الدعاية وإلا كان نجاحها مشكوكا فيه،وبما أن الدعاية فن فإنه يوجد زعماء نجحوا في التأثير وإستمالة الجماهير بينما فشل البعض 
الآخر.


أنواع الدعاية من حيث المصدر والهدف

أ-الدعاية البيضاء: وهي دعاية معروفة المصدر ومحددة الهدف وتسعى دائما إلى خدمة أهداف نبيلة،وهي تعبر عن الدعاية الموجهة للتنوير والإعلام الصادق.

ب-الدعاية السوداء: وهي دعاية غير معروفة المصدر بل إنها تدعي أحيانا أنها تصدر من مكان معين غير الذي تصدر منه حقيقة،كالإذاعات السرية مثلا التي تدار من أرض محايدة أو على مقربة منها،كما وتكون مقنّعة ومستترة خفية أي خافية الغرض وتقوم على رفع الشعارات البراقة والكلمات الرنانة،وأيضا تعمل على إطلاق كلمات تدل على الأنماط والقوالب الجامدة وتستعمل التهويل والمبالغة وتتعمد إختيار جانب من الحقائق يخدم غرضها ومصلحتها دون ذكر باقي الحقائق،كما تلجأ إلى الإختلاق والتشويه وتغيير الحقائق والأرقام وتستخدم الصور الهزلية (الكاريكاتور) للتهكم والسخرية،وتعمد على التكرار حتى يؤمن الناس بالفكرة وإن كانت كذبا.

ج-الدعاية الرمادية: وهي الدعاية معروفة المصدر ولكنها ترمي إلى غايات ملتوية،وقد نبغ الأمريكيون في هذا النوع من الدعاية منذ الحرب العالمية الثانية،وقد عرف الدعاية الرمادية (مايلز كوبلاند) وهو أحد رجال المخابرات الأمريكية ومؤلف كتاب (لعبة الأمم) فقال عنها (أنها التشهير بالخصوم عن طريق مدحهم والثناء عليهم) وقد كان بول لاينبرجر أكبر خبير أمريكي فيها (كان يعمل أثناء الحرب العالمية الثانية بأجهزة الإعلام الأمريكية وكان يذيع باللغة الألمانية ما يظنه الألمان العاديون في مصلحة ألمانيا ولكن كان هدفه الحقيقي تحطيم الروح المعنوية للشعب الألماني)،و(لاينبرجر) هذا إستعارته الحكومة المصرية بعد عام 1954 لمعاونتها في تحطيم خصومها من الإخوان المسلمين عن طريق الدعاية الرمادية (السمراء) بعد أن عجزت الدعاية السوداء في التشهير بهم لما كانت تتمتع به حركة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت من هالة البطولة بسبب أعمالها الفدائية ضد قوات الإنجليز في قناة السويس وضد الإسرائليين في فلسطين قبل ذلك،فضلا على مقاومتهم للشيوعية.


أنواع الدعاية من حيث التوقيت

أ-الدعاية الإستراتيجية: وهي توجه ضد قوات العدو وضد شعوب العدو وضد المناطق التي يحتلها العدو وتكون متناسقة مع تخطيط إستراتيجي،وتوضع بقصد تكملة نتائج مخططة ينشد تحقيقها على مدى أسابيع أو شهور أو سنوات،وتدار هذه الدعاية دون أن يكون لها تأثير مباشر واضح مرئي،وغرضها إجهاد العدو بتغييرات نفسية سيكولوجية يمكن أن تمتد على مدى شهور.

ب-الدعاية التكتيكية: وهي توجه لمستمعين معينين يذكر أسماؤهم في الغالبية،وتعد وتنفذ لتعضيد عمليات القتال المحلية،وهي لهذا هدفها قصير الأجل وخلال فترة زمنية محدودة على عكس الدعاية الإستراتيجية.


وسائل الدعاية

وسائل الدعاية هي وسائل الإتصال الجماهيري المختلفة،وأهم وسيلة منهم هي الإذاعة حتى أنه أطلق على الحرب الدعائية حرب الإذاعة،ومع إنتشار وسائل الإعلام سهلت العملية الدعائية،وكان من أهم وسائل الدعاية ما يلي:

1-الوسائل الصوتية أو السمعية وتشمل الإذاعة والخطابة والشائعات والأناشيد وغيرها.
2-الوسائل المرئية أو البصرية وتشمل الفنون مثل اللوحات والشارات والنحت والألوان والعلامات التجارية والأزياء وغيرها.
3-الوسائل الصوتية المرئية وتشمل التلفزيون والأفلام والمسرح.
4-الوسائل المقروءة أو المطبوعة وتشمل الكتب والصحف والمجلات والنشرات واللافتات.
5-المؤسسات والبعثات وتشمل المؤسسات الثقافية والرياضية والمستشفيات وغيرها،كما تشمل البعثات في الخارج.
6-الإجتماعات وهي تعقد في مناسبات معينة مثل في حملات الدعاية الإنتخابية.
7-المؤتمرات الصحفية وهي تعقد بصفة خاصة في الدعاية السياسية.


نفسية (سيكولوجية) الدعاية

إن أهم الأساليب التي تستخدمها الدعاية هي الإيحاء والإستهواء والإقناع،وهذه الكلمات تعني قيادة المرء لقبول وجهة نظر معينة دون أن يسبق له فحصها فحصا دقيقا،والفكرة الموحى بها إليه تكون في الغالب كافية كأساس للعمل،فيقبل الفكرة ويعمل بمقتضاها دون التفكير بالمشروع،فالإيحاء هو (منبه) يدفع حركة سلوك الإنسان على أساس تحضير مسبق،كما أنه محاولة التأثير في تفكير الشخص وإتجاهاته الوجدانية وسلوكه الحركي دون إستخدام أساليب الإقناع المنطقية أو أساليب الأمر والفحص،وكل إنسان قابل للإيحاء بدرجة أو أخرى وتزداد القابلية للإيحاء في حالات ضعف الذكاء والنقص العقلي وضعف القدرة على التمييز والنقد والتكامل،كما تزداد في حالات النوم الصناعي.

فرجل الدعاية لا يعتمد على المنطق أو الإقناع العقلي للتأثير في سلوك الآخرين،ولهذا السبب تعتمد الدعاية على العاطفة وليس على العقل وأن الغاية النهائية للدعاية هي غاية عاطفية بالرغم من محاولاتها إرتداء ثوب العقل،أما العواطف التي تستهدفها الدعاية هي جميع العواطف الإنسانية مثل الخوف وإحترام الذات والتفاخر والطموح وغيرها الكثير،وتستغل هذه العواطف حسب الحاجة والظروف،كما تستغل الدعاية أحيانا حب الجماعة لمصالحهم الشخصية وخاصة إذا كانت الجماعة ليست على قدر كبير من الوعي وعندها قابلية للإيحاء الوجداني والإنفعال وقابلية سرعة التصديق،فتثير هذه الجماعة ضد خصومها.

ويختلف الأفراد في ناحية قابليتهم للإيحاء والتلقين،فبعض الأشخاص يتقبلون كل شيء يسمعوه أو يقرؤه،في حين أن البعض الآخر لا يكاد يصدق شيء بل يجادل ويناقش ويشك،كما أن قابلية الإستهواء تختلف في الفرد الواحد في أحواله المختلفة،ودرجة الوعي هي الميزان في هذا وكذلك الإيمان بالله،فالإنسان المؤمن الواعي لا يحكم حتى يتبين وهذا ما علمنا إياه القرأن الكريم في قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهلة فتصبحوا على ما فعلتم ندميين).

وفيما يخص دور الإقناع العقلي في الدعاية،فإن الواقع لا يقنع الفرد أو الجماعة التي توجه إليها الدعاية بما يقول رجل الدعاية بالأساليب السابقة،وهنا يلجأ رجل الدعاية إلى بعض العمليات العقلية مثل التسويغ في حالة الظروف القاسية التي لا يمكن تحاشيها،أما حين يتوقع معارضة الجمهور الذي يوجه إليه دعايته،فيلجأ إلى إقناعه بالعقل أولا،كما أن للتكرار دور في الدعاية للفت الأنظار وجذب الإهتمام إلى أن تصبح الأكذوبة حقيقة،وهذا ما توضحه المقولة التالية:

(إكذب ثم إكذب ثم إكذب حتى تصدق نفسك)

وأخيرا فإن في مجال الدعاية البيضاء نجد أنها تعتمد على العاطفة والعقل،أما هذه الدعاية فتسعى إلى تغيير سلوك الإنسان كليا وعاطفته العميقة الجذور.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart